8.9°القدس
8.66°رام الله
7.75°الخليل
15.57°غزة
8.9° القدس
رام الله8.66°
الخليل7.75°
غزة15.57°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.63جنيه إسترليني
5.13دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.85يورو
3.63دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.63
دينار أردني5.13
جنيه مصري0.07
يورو3.85
دولار أمريكي3.63

خبر: على قارعة الطريق أكنُس ما تبقى من حُلُمْ!

بين عالمٍ يموت.. وعالمٍ على أبواب الولادة.. خرجتُ إلى هذه الدنيا.. فناناً تشكيلياً.. هكذا تقول شهادة البكالوريوس التي منحتني إياها جامعة الأقصى عام 2000.. عام الانتفاضة القديمة الجديدة.. انتفاضة ألوان الدم والبارود على فرشاةٍ سوداء شرعت ترسم بحذاء حاملها نجمةً زرقاء فوق أرضٍ فلسطينية الهوى.. لا بل مقدسية الهوية.. حينما خرجتُ إلى الحياة كنت أعزلاً.. أعزلاً إلا من تلك الشهادة التي –وكما شَهِدَتْ فرحتي بحيازتها أيام ما بعد التخرج-.. شَهِدَت اليوم دمعي.. وغصتي.. وحرقتي.. لا بل ذلي على أبواب الرزق!!.. لا يا عمار.. لماذا أسميته ذلاً؟؟.. لماذا اعتبرتَه كذلك؟.. هل أفضى بك سوء الحال إلى مد اليد؟ هل سرقت؟ هل سألت الناس شفقةً أو عطفاً؟ لا.. ما أنت فيه ليس ذلاً.. ليس إلا فخراً لمن يفهم حقيقة الرسالة.. كان يوماً صيفياً باهتاً هو ذلك اليوم… صباحاتي التي تكررت بلون الكآبة ذاته.. جعَلَت من تشكيليٍّ مثلي.. لا يصحو إلا حتى ينام.. ولا ينام إلا حتى يحلم.. ولا يحلم.. إلا وقد أدرك تماماً أن صفعةً جديدةً في الطريق.. ستوقظه!! يا فتاح يا عليم.. يا رزاق يا كريم.. مَن المتصل؟.. اتجهتُ نحو الهاتف بلا خطوات.. رفعتُ السماعة.. كان صديق دراستي جميل على الخط.. بدا لاهثاً.. آلو.. عمار.. هناك دورة بطالة جديدة سنتقدم إليها أنا وسعيد وعلي.. لو أحببتَ مشاركتنا سنذهب سويّاً اليوم.. فتحتُ ثغري وقد أشرق جبيني.. أخيراً سأعود إلى قلمي وفرشاتي؟.. إلى ألواني حبيباتي؟.. إلى ألوان الجواش.. الزيت.. الماء.. إلى لون الفحم.. إلى زرقة السماء.. حرقة الدم الذي بلل ثيابي حينما حملتُ ابن عمي شهيداً.. صفرة أوراقي التي رماني الدهر باكياً على سطورها.. هنا.. هنا سمعته يقهقه.. لماذا تضحك يا جميل؟.. هل الفرحة فعلت أفاعيلها بك.. كما فعلت معي؟.. بدأ صوته يتقطع.. إلى أن تحولت قطرات دمعٍ أفرزتها هستيرية الضحك بكاءً مريراً لم أسمع أن رجلاً بكاه من قبل!! يا صاحبي دورة هذه المرة.. دورة نظافة.. أجبته وقد لملمت بقايا فرحتي :مستحيل.. ماذا تقول؟ هل جننت؟ تريدني أن أحمل المقشة؟ هل تريدني أن أكون أحدوثة القاصي والداني؟ انسَ القصة.. يا عمي انسَ.. قال لي وهو يقاوم تكّات الساعة التي أنبأت باقتراب موعد الذهاب :إذاً فلْيَمُتْ الواقع.. وليحيا الحُلُمْ.. السلام عليكم.. لحظتها.. بدأتُ أبحث عن نفسي.. التفتُّ إلى تلك الأحلام الوردية التي شعرت في كل مرةٍ راودتني فيها.. برأسي تطول عنان السماء.. إلى بريق الكاميرات.. إلى لوحاتي التي لا تكاد تخرج من معرضٍ حتى تُعَلَّقَ في غيره.. إلى تلك النقود التي لم أحصِ لها عدداً حتى اليوم.. إلى تصفيق الحضور الذي أطفأ غضبي من نكتةٍ أسمعني إياها صاحبي قبل قليل.. اليوم.. سأتقدم إلى وظيفة مدرس للتربية الفنية في وكالة غوث اللاجئين.. سأرتدي قميصي البرتقالي الجديد، وسأضع عطر الحب الذي جلبه لي عمي من مصر.. سأعتبرها بداية.. صرختُ بـ(انشكاح).. أمي أريد أجرة الذهاب والإياب.. أمي أجابتني بعصبية من وين أجيب؟.. راتب أبوك الله يرحمه بدو يكفينا لآخر الشهر.. وكانت أول الصفعات.. ولكنني أمّنت المبلغ.. انطلقت.. فتحت صدري ليعاودني الحلم طوال الطريق.. دخلت الإدارة.. فوجدت مثلي أماثل.. ونجح غيري.. أما أنا ففقدتُ الأمل.. ومات في قلبي الحلم!!.. نظرت إلى ساعتي.. لا يزال الوقت في صالحي.. بجنونٍ انطلقت نحو مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أنروا).. وجدت أصحابي هناك كلهم ينتظرون.. ووقفت في ذلك الطابور الطويل.. كاد الحرج يقتلني.. لكنني رأيت في عين كل منتظرٍ هناك.. أملاً.. حلماً آخر لم يكن كحلمي.. كانت أحلاماً بسيطة.. متواضعة.. بعض المال يغطي نفقة أشهر.. إنهم يحبون الحياة.. يريدون أن يحيوها كما هي.. لا يحلمون برقابهم تطال عنان السماء.. بل تكفيهم الأرض –على شرط الحياة-.. أوراقي التي جهزتُها لمهنة المدرس.. قدمتها برفقة أصحابي.. لمهنة عامل نظافة!!.. وكانت بضعة أشهرٍ فقط.. انتظرتُها أنا –على مضض-.. أقنعت نفسي خلالها.. حتى لو كان اسمي من بين المقبولين.. لن أعمل في هذه المهنة.. وهل جننتُ حتى أفعلها؟ وظهرت النتائج.. واسمي واسم علي وسعيد وجميل في لوحة المقبولين.. وهنا بدأ العمل.. يا لها من مفارقة.. اكتشفت أن عملي هذا.. لا يختلف كثيراً عن عملي في المرسم!! بدل الفرشاة أمسكت مكنسة!.. أما مساحة اللوحة التي كانت لا تزيد عن حجم 70 سنتيمتراً x 50.. صارت لوحةً مساحتها إلى ما لا نهاية.. ذلك الشارع الطويل الذي استقبلني في اليوم الأول.. قررتُ أن أجعله لوحةً هي الأجمل في تاريخ من رَسَمْ!! في لوحتي الجديدة لم يعجبنِ لون أوراق المقرمشات الحمراء والخضراء فأزلتها.. وهناك أزعجني لون التراب البني.. إنه لا يتناسب ورمادية الشارع!!.. أما هنا فقررت نزع أعشابٍ خضراء وَجَدَتْ متسعاً حتى نَمَتْ.. وهنا.. هنا أنجزت لوحتي الأولى.. لم أكن وحيداً.. هنا أيضاً عرفت سعد.. ذلك الحاصل على درجة الماجستير في اللغة العربية.. هو أيضاً خانهُ الحلم.. خانته صفعات الواقع التي قتلت لحظات النشوة.. على أعتاب الخيال في كل ليلة.. هنا اغتالت لقمة العيش كل ما هو آت.. وأبقت لنا يومنا فقط!!.. إنه التحدي الحق!! تحدي تكون أو لا تكون.. تحدي معادلة الحصار الظالمة حتى بمكنسة!!.. تحدي العوز وذل السؤال بعملٍ شريف.. بعرقٍ يغسل معه كل عقبات العيب.. والخجل.. ويبقي على حلمٍ قديم.. لا يموت.. إنما يكبر يوماً بيوم.. ولكن على شرط أن يمر اليوم!