في البادية يضربون المثل بالكلب في حفظ الود.
ولعل علي بن الجهم صاحب فصاحة اللسان، والموهبة الشعرية مدح الخليفة المتوكل- كعادة الشعراء- فشبه الخليفة بالكلب في حفظ الود، والتيس في قراع الخطوب.
حيث قال للخليفة:
أنت كالكلب في حفاظك للود *** وكالتيس في قراع الخطوب
تشبيهات مستعارة من البادية موطن معيشته.
ومن القصص الطريفة التي سمعتها من والدي – رحمه الله – بشأن الوفاء، أن لصاً تقمص شخصية مسافر انقطعت به السبل في الصحراء، استقر عند قبيلة فترة من الزمن، حتى يتعرف على أحوالهم بدقة متناهية.
أصبح الرجل معروفاً لديهم حتى للكلاب.
استأذن الرجل في الرحيل والعودة لدياره، فأكرموه وزودوه بمؤونة السفر.
جهز الرجل مجموعة من اللصوص للإغارة على القبيلة التي آوته وأكرمته كي يسلب ماشيتها.
اختار التوقيت المناسب من خلال خبرته الدقيقة بأحوال القبيلة.
عندما اقترب من مضاربهم، إذ بكلب ينبح حتى إذا اقترب من الرجل توقف عن النباح وهز ذيله تعبيراً عن فرحته بعودة الرجل.
اندهش الرجل، وأصيب بصدمة من وفاء الكلب، فقرر التراجع والعدول عن السرقة وحذر أقرانه من التقدم خطوة واحدة.
استغرب اللصوص وتعجبوا من تصرف زعيمهم، وقالوا: لم يبق سوى بضع خطوات على الغنيمة.
قال لهم: لا أريد أن يكون الكلب أكثر وفاء مني، ارجعوا.
من المؤسف جداً أن بعض الحيوانات تحفظ الود والوفاء لمن أسدى إليها معروفاً.
وبعض البشر يقابلون المعروف بالإساءة والتنكر.
يا ليتنا نعمل بقول الله سبحانه وتعالى: (هَل جَزَاءُ الإِحسَنِ إلَّا الإِحسَنُ) الرحمن: ٦٠.
وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «من صنع إليكم معروفا فكافئوه».