شكلت عملية (إيلات) "خرقاً خطيراً" يستدعي تحولات استراتيجية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية في الجبهة الجنوبية، وتحديداً على الحدود المصرية، في ضوء أن إستراتيجية الحرب لمواجهة الفلسطينيين، وعقيدة عمل قوات الجيش عند الحدود مع مصر، بعد أن ساد اعتقاد كبير في تل أبيب أن القاهرة، المتشددة بفرض سيادتها في سيناء، مسئولة عن توفير الأمن لها، ومنع العمليات، والتهريب من أراضيها، لذا مُنعت الأولى من القيام بعمليات إحباط في سيناء. ومنذ سقوط مبارك، تراكمت معلومات استخبارية حول عمليات ضد أهداف إسرائيلية انطلاقاً من سيناء، حيث تم تعزيز القوات على الحدود، لكنها سحبت مع تراجع التحذيرات، تطبيقاً لـ"استراتيجية الدفاع المتنقل" مع الحدود المصرية المخترقة، بدفع قوات الجيش في حال توفر معلومات استخبارية تحذر من عمليات، بموازاة العمل على بناء السياج الأمني على طول الحدود الممتدة على 250 كلم. لكنه طالما سيطرت (إسرائيل) على حدود غزة مع مصر، فقد ساد قدر معقول من الأمن في الحدود الجنوبية بين رفح وإيلات، لكن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه "أريئيل شارون"، إضافة لإخلاء المستوطنات من غزة، هو ترك محور فيلادلفيا أيضاً، مما أسفر عن ربط غزة، التي سيطرت عليها حماس، بسيناء وبمصر، ما يعني تقلص الملحق الأمني لاتفاق كامب ديفيد. وهو ما دفع بأوساط عسكرية رداً على العملية بتعزيز قوات الجيش، وتكثيف أعمال جمع المعلومات الاستخبارية، لأنه لا يمكنها بعد العملية الاعتماد على المصريين، إلى جانب العمل بسرعة أعلى لإصلاح التقصيرات في الجيش، مما أفسح المجال أمام المسلحين لتنفيذ العملية، مما يتطلب التعامل مع الحدود المصرية كـ"حدود معادية"، ومنطقة تسودها الفوضى الأمنية، وتشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي. مع العلم أن هناك مطالبات بضرورة إجراء "استجواب" للمؤسستين العسكرية والأمنية في الكيان، رداً على إخفاقهما في تجنب عملية إيلات، لأن ما حصل هو بالأساس "قصور استخباري مع خطأ عملياتي"، رغم أن قيادة المنطقة الجنوبية قدرت بأن الخلية ستتسلل إلى الأراضي الصهيونية في مكان ما على طول الحدود، ما يعني أنه لا يوجد لـ(إسرائيل) رد دفاعي أو ردعي كافٍ، والهجوم سيجر وراءه تصعيداً، وفي مثل هذا الوضع، لا يمكن لها إلا أن تخسر. فيما قدرت محافل عسكرية أن السبب في نجاح العملية يعود إلى الاستعداد والقدرة العالية لمنفذيها، وعدم استعداد القوات الإسرائيلية برغم التحذيرات الاستخبارية التي سبقتها، بعد أن واجهت تل أبيب أكبر عملية خرجت من حدود مصر، بعد سنين طويلة كانت فيها هادئة، ما يؤكد أن هذه الحدود لن تكون هادئة بعد اليوم، فكما تغيرت حدود هضبة الجولان نتاج التقلبات في سوريا، تتغير الحدود المصرية. ورفضت المحافل المقربة من المؤسسة العسكرية ما يشاع من فرضيات بأن مصدر العملية هو قطاع غزة، ولهذا سيدفع الثمن، ومع ذلك فإن السؤال: لماذا تفاجأنا كثيراً من العملية، وهل تملص الإنذار من بين أيدينا، أو ربما سقطنا في روتين إنذارات من هذا النوع؟ ورغم أنه يمكن عقاب حماس في غزة، لكن يجب الاعتراف أن تل أبيب لا تعلم منذ سنين ما يحدث في سيناء، ما يعني أنها الآن تدفع الثمن، بسبب افتقادنا منذ زمن طويل لحدود مع دولة منظمة تسمى مصر، فيما الآن توجد حدود من ورائها قوى مسلحة تعرف نفسها بأنها جهادية، وأن هذه الحدود باتت مخترقة، ولم يعد للخلايا المسلحة أي مشكلة في دخول (إسرائيل) من سيناء، وتنفيذ عملية تفجيرية. الواضح أن العملية جاءت واسعة في مساحتها الجغرافية، على حدود مصر وداخل النقب، وواسعة من جهة سعة الأحداث التي تمت على نحو متزامن، ما يعني أن القتلى والمصابين من الجنود والمدنيين هم نتاج المفاجأة والتنسيق الدقيق بين منفذي العملية، فقد شملت تخطيطاً طويلاً اقتضى استعداداً دقيقاً وتنسيقاً، ولم تكن عملية متدحرجة عرضية، بل سبقها أسابيع طويلة من الاستعداد مع اختيار الوقت المناسب، وكل هذه الطبخة غابت عن عيون الاستخبارات الإسرائيلية! فضلاً عن كونها شكلت المسمار الأخير في نعش الهدوء الواهم في الحدود الجنوبية، وجعل (إسرائيل) تتلكأ بإنشاء الجدار الجنوبي رغم المعطيات الأمنية المزعجة، وتحول سيناء إلى مستودعات لوسائل قتالية، ومقرات القيادة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.