11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
14.97°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة14.97°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: قطَّنا وفئراننا..

فى حدث نادر بالنسبة لى، فاتنى توثيق هذه المقولة، التى ظلت عالقة بذاكرتى لا تبارحها منذ عدة أشهر، المقولة هى: لايهم ما إذا كان لون القط أسود أم أبيض، طالما أنه قادر على ملاحقة الفئران، لذلك اعتذر عن اننى حين قرأتها لم أسجل اسم قائلها ولا متى قيلت وأين، وإن كنت أرجح أن صاحبها واحد من حكماء الصين المحدثين. كلما قرأت فى الصحف المصرية ذلك الصياح المستمر الذى لا يكف عن التنديد بما يسمونه «الأخونة» (التى أعارضها إن صحت) أتذكر كلمات الحكيم الصينى وأعتبر أن السؤال الأهم الذى ينبغى طرحه هو ما اذا كان هؤلاء الذين يتم اختيارهم قادرين أم لا على تحمل مسئولياتهم وملاحقة «الفئران» التى تكاثرت فى حياتنا حتى حاصرتنا من كل صوب. قبل أيام حدثنى أحد الخبراء المخضرمين المهتمين بالشأن الاستراتيجى عن مجموعة الضباط المصريين الذين تم اختيارهم مؤخرا لشغل أعلى المناصب فى القوات المسلحة والأمن، فقال إنه تتبع سيرتهم من زملائهم ومن خلال سجلاتهم، فتبين أنهم من طراز رفيع ونادر من العسكريين، الذين توافرت لهم صفات الكفاءة والشجاعة والمعرفة العميقة والاستقامة الأخلاقية، وهو الوجه الذيم لم يشر إليه أحد فى ساحتنا الإعلامية، وإنما ظل تركيز أكثر الصحف المصرية منصبًّا على شىء واحد هو: هل لهم صلة بالاخوان أم لا. ذلك حدث أيضا مع الضابط الذى تم اختياره قبل أيام متحدثا باسم القوات المسلحة، ونشرت الصحف إلى جوار خبر تعيينه تعريفا بسجله العسكرى، الذى جاء مشرفا ومدهشا. حتى كنت أحد الذين استغربوا أن تجتمع كل تلك المؤهلات التى حصلها فى شخص واحد. لست أرى أن كل الاختيارات التى تمت من ذلك القبيل، ولعل كثيرين يذكرون أننى انتقدت غياب المعايير الموضوعية فى بعض الاختيارات التى تمت مؤخرا، فيما نشر لى من قبل تحت عنوان «حد أدنى فى المعايير» فى (13/9) لكننى أردت أن أنبه إلى الفكرة المتضمنة فى المقولة سابقة الذكر. وقد أشرت توا إلى أننى صرت أتذكرها كل يوم، حين أطالع فى صحف الصباح العناوين والتعليقات التى تتناول التعيينات والتشكيلات الجديدة ولا تكف عن التساؤل عما إذا كان القط اسود أم أبيض، وهو تساؤل بات يكبر يوما بعد يوم حتى صرنا على شفا قلب المعادلة، بحيث تصبح على النحو التالى: لا يهم أن تؤكل الفئران أو تنتشر إنما الأهم أن نتأكد اولا مما اذا كان لون القط اسود أم أبيض. إلى ذلك الحد وصل الاستقطاب الذى أفسد علاقات القوى السياسية وكرس فكرة غلبة الذات على الموضوع، بما استصحبه ذلك من تراجع لأولوية المصلحة العامة وتقدم فكرة الحصص والانصبة التى يحصلها كل طرف. التنافر بين القوى السياسية لم يدفع البعض إلى تغليب الشكل واللون على الوظيفة والدور فحسب وإنما جعلهم أيضا يصرون على تجاهل وإنكار أى إنجاز إيجابى للطرف الآخر. طالعت قبل أيام تقرير الأمانة العامة لمجلس الشعب، عن أداء المجلس خلال الفترة التى عمل فيها قبل حله (من يناير إلى مايو ٢٠١٢) ووجدت أن المجلس كان غارقا فى مشاكل الناس وهموم المجتمع، إذ أقر 12 قانونا تعلقت بتعريفات أسر شهداء الثورة ومصابيها، وتعديل قانون العاملين لتثبيت العمالة الموسمية، وتعديل قانون التعليم لجعل الثانوية العامة سنة واحدة، وقانون الحد الاقصى للأجور، وتعديل قانون القضاء العسكرى لوقف محاكمة المدنيين أمامه، وقانون التأمين الصحى على المرأة المعيلة، وقانون التأمين على الأطفال دون السن المدرسى (8 ملايين طفل)... إلخ. وجدت أيضا أن لجان المجلس أنجزت 12قانونا آخر تعلقت بقائمة أخرى من مشكلات المجتمع، كانت جاهزة للمناقشة العامة، ولاحظت أن مناقشات المجلس فتحت ملفات حقوق العاملين المصريين فى العراق والعمالة المؤقتة، وتعويضات الفلاحين الذين أضيروا بسبب تفشى مرض الحمى القلاعية، وأزمات رغيف الخبز وتوفير البوتاجاز والبنزين، وأزمة ارتفاع اسعار الاسمدة الزراعية، إضافة إلى ملف اهدار المال العام فى الصناديق والحسابات الخاصة.. إلخ. سجل التقدير أيضا أن اعضاء المجلس وجهوا 911 سؤلا إلى الحكومة وقدموا أكثر من 8 آلاف طلب إحاطة شملت العديد من القضايا التى تعكس معاناة الناس وتعبِّر عن همومهم، ولم أنس ما قاله أحد البرلمانيين القدامى عن أداء المجلس فى تلك الفترة القصيرة، حين قرر أنه أنجز خلالها ما لم يستطع البرلمان إنجازه خلال عشر سنوات. شاءت المقادير أن أطالع بعد ذلك مباشرة مقالة كتبها سفير يرأس تحرير مجلة «شئون عربية» التى تصدرها الجامعة العربية تطرق فيها إلى أداء البرلمان، وكتب عن التيارات الإسلامية التى مثلت فيه ما نصه: جاء أداؤها كاشفا عن توجهاتها الحقيقية، مؤكدا أن برنامجها ومشروعها لا يتعلق بمشكلات المجتمع الاقتصادية والمعيشية ولا يتوافق مع تأسيس دولة مدنية ديمقراطية، وإنما استهدفت السيطرة على السلطة لإقامة دولة دينية تتحقق بخطوات تدريجية عبر «تقية» لفظية متهافتة وتفسير خاص لحكم الشريعة يخدم أغراضها السياسية. حين قرأت هذا الكلام قلت إن السفير المحترم لم يتابع شيئا من أعمال المجلس، وانما شاهد بعض اللقطات التليفزيونية التى قام أحد الاعضاء فيها برفع الأذان للصلاة وأخرى لحلف اليمين حين اصر بعض السلفيين إلى اضافة عبارة «ما لا يخالف شرع الله إليه» واكتفى بذلك ثم شرع فى تدبيج مقالته. إن الاهتمام بالاداء والانجاز يتطلب بعض الصبر لاختبار قدرة «القط» على اصطياد الفئران ذلك صحيح لا ريب. لكن من الصحيح أيضا أنه يتطلب درجة من التجرد والنزاهة فى الحكم، لأن الكيد السياسى الحاصل فى مصر دفع البعض ليس فقط إلى الانشغال بلون القط والانصراف عن دوره فى صيد الفئران، وإنما ايضا إلى محاولة التشكيك فى هوية القط ذاته، والزعم بأنه نوع آخر من الفئران.