11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
14.97°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة14.97°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: أحياءٌ ميتون.. وأمواتٌ يرزقون

كان مصاباً عندما زرته في المستشفى، ورغم ذلك بادر بالترحيب قائلاً: هل رأيت أمواتاً يرزقون؟ إنهم أولادي، هم أحياء عند ربهم يرزقون! واصل المهندس "محمد شراب" حديثه: لقد صدّقت الإذاعة الإسرائيلية حول رفع حظر التجول لعدة ساعات أثناء الحرب على غزة، فركبت سيارتي الساعة الثانية عشرة ظهراً، وتوجهت مع اثنين من أولادي "كساب 28عاماً، وإبراهيم 19عاماً" من منطقة "الفخاري" إلى بيتي في خان يونس، ولكن عندما صرت على مسافة كيلومتر واحد من المستشفى الأوروبي، فاجأنا جنود الجيش الإسرائيلي بالرصاص. توقفت السيارة بعد أن اصطدمت بحائط، لقد أصيب الأب "محمد شراب" بيده، وأصيب ابنه "كساب" في ساقه، في حين سارع الابن غير المصاب "إبراهيم" بالنزول من السيارة للمساعدة، فكانت رصاصات الجيش الإسرائيلي أسرع، فارتقى شهيداً أمام عيني أبيه وأخيه! تحامل الوالد "محمد شراب" على جرحه، ونزل من السيارة إلى قارعة الطريق، وهكذا فعل ابنه الجريح "كساب"، وراحا يتأملان جثمان "إبراهيم" الممدد أمامهما، يبكيانه لحظة، ويتوجعان من جراحهما لحظة، وينظران إلى جنود الجيش الإسرائيلي الذين كانوا غير مبالين بالمشهد. قال لي "محمد شراب": تحدثت مع الجيش الإسرائيلي باللغة الإنجليزية، وطلبت منهم المساعدة، ولكن دون جدوى، واتصلت هاتفياً من مكاني بكل من أعرف من الناس، طلباً للمساعدة، وجاءتني عدة اتصالات من بعض الإذاعات، وتحدثت من مكاني مع عدة فضائيات، وكانت حالتنا الصحية تبث على الهواء مباشرة، وكان المكان الذي يحاصرنا فيه الجيش الإسرائيلي معروفاً للجميع، ولكن لم تستطع أن تصل إلينا أي سيارة إسعاف!. يضيف محمد شراب": حل المساء، وأنا وابني الجريح "كساب" تحت السماء والطارق، يصبر أحدنا الآخر، ونتبادل أطراف الحديث في برد كانون عام 2009، كانت الحرارة 6 درجات مئوية، وكان ابني "كساب" يرتجف، ومع ذلك كان يحدثني، ويشد من أزري حتى الساعة الثانية عشرة ليلاً، حين خيم الصمت على المكان لفترة، فسألت ابني كساب عن أحواله، ولكنه لم يرد، سألته ثانية، ولم يرد، فمددت يدي إليه، لأجده قد فارق الحياة!. ظل المهندس "محمد شراب" ينظر إلى جرحه النازف مرة، وينظر إلى جثتي ولديه الممددتين على الأرض مرة أخرى، حتى الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم التالي، عندما سمح الجيش الإسرائيلي لمنظمة الصليب الأحمر الدولي بنقله مع الجثتين إلى المستشفى. لم تنته الدراما الفلسطينية، فقبل أيام أعلن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أنه نجح في التوصل إلى تسوية مع النيابة العسكرية الإسرائيلية لدفع مبلغ 430 ألف شيكل، أي ما يعادل "مئة ألف دولار أمريكي" تعويضاً لعائلة شراب، مقابل إغلاق ملف القضية. وهنا جاء رد المهندس "محمد شراب" والد الشهيدين مدوياً، لقد قال بصوته الفلسطيني الأبي المقاوم: "أي مالٍ هذا الذي سيعوضني إياه اليهود عن فقد أولادي؟ وهل سيضيف لي المال بضع لقيمات! إن الفلسطيني وليّ الدم، وأنا لا أقبل إلا بالقصاص، يجب أن يقتل من قتلني، وإذا لم يكن بمقدوري الآن أن أقتله، فإنني أفوض أمري إلى الله، عسى أن يريني فيمن قتل أولادي شيئاً يخفف النار التي تشتعل في داخلي، لن يغلق ملف القضية!. رجع "محمد شراب" إلى بيته حزيناً، جلس على مائدة الطعام وحيداً، غمس لقمة الخبز بزيت الزيتون، ثم وضع نصفها في فمه، ولكن نصف اللقمة الآخر ظل يشهد بعد وفاته: أن الدم والعرض والأرض لا تعوض بكل أموال الدنيا!. لقد فارق المهندس "محمد شراب" الحياة ولسان حاله يقول: بلغوا وزير الحكم المحلي في حكومة سلام فياض، بلغوا زياد البندك، وقولوا له: إن مآسي الفلسطينيين أحوج إلى دموعك التي ذرفتها قبل أيام على مقابر اليهود في "أوشفتز". وبلغوا سفير فلسطين في ألمانيا، صلاح حيدر عبد الشافي، وقولوا له: إن الفلسطينيين أحوج إلى أنفاسهم التي اغتصبها اليهود، أكثر من حاجتهم إلى البكاء على ضحايا الكارثة اليهودية، التي تطالب بتدريسها في المدارس العربية.