22.78°القدس
22.55°رام الله
21.64°الخليل
24.19°غزة
22.78° القدس
رام الله22.55°
الخليل21.64°
غزة24.19°
السبت 04 مايو 2024
4.67جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.67
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

خبر: هدمنا الجدران ولم نبنِ الجسور

إذا صح أن فى مصر الآن وقفة احتجاجية كل ساعة، فالأمر يمكن أن يقرأ من أربع زوايا على الأقل. من ناحية هو دال على أن الشعب المصرى علا صوته بعد الثورة وما عاد ممكنا إسكاته أو تكميمه كما حدث من قبل. من ناحية ثانية فإن ذلك يعنى أن المشكلات الحياتية والمطالب الفئوية أصبحت ضاغطة بشدة على الجميع، بحيث لم تعد هناك فئة نجت من طوفان الغلاء، وقد ازداد الوجع على الجميع حين حل موعد دخول المدارس وما يستصحبه من أثقال وأعباء. من ناحية ثالثة فإن ذلك يعنى أن ثمة انسدادا فى جسور ووسائط الاتصال بين السلطة والمجتمع، بحيث لم يجد الناس سبيلا لتوصيل صوتهم إلى المسئولين سوى بالامتناع عن العمل والتظاهر فى الشارع. وإذا كنت من الباحثين عن قرائن المؤامرة فبوسعك أن ترى فى تلك الاحتجاجات والإضرابات محاولة من جانب عناصر النظام السابق وأذنابه لإرباك الحكومة والضغط عليها. مسألة الوقفة الاحتجاجية كل ساعة تقدير من جانبى استقيته من البيان الذى أصدرته وزارة الداخلية يوم الخميس الماضى (20/9) وأعلنت فيه أن مصر شهدت 1400 وقفة احتجاجية وقطع طرق خلال الـ48 يوما الأخيرة، منها 80 حالة قطع طريق و60 حالة تعطيل لحركة السكك الحديدية. وحين حذفت الحالات الأخيرة تبقى أمامى 1285 وقفة احتجاجية خلال تلك الفترة، إذا وزعتها على 50 يوما فستحصل على النتيجة التى وصلت إليها. حتى إذا كانت الأرقام تحتاج إلى تدقيق، فالقدر الثابت أن قطاعات عريضة جدا من أبناء الشعب المصرى ليست راضية عن أوضاعها المعيشية. وقد أتاحت لها أجواء ما بعد الثورة أن تخرج إلى الفضاء وتطالب بحقها المشروع فى الإنصاف. لقد أتيح لى خلال الأيام الماضية أن أستمع إلى شكاوى بعض العاملين، وأقنعنى ذلك بمظلوميتهم وحقهم المبرر فى الغضب وأدركت أنهم لا يشكون فقط من تدنى دخولهم إذا قورنت بمعدلات الغلاء المتزايدة وبأوجه الإنفاق التى يتعذر احتمالها. ولكنهم يشكون أيضا من التفاوت الهائل فى الدخول فى القطاعات التى يعملون بها. لم أصدق ما سمعت عن تدهور أوضاع الأطباء وانحطاط أجورهم وتهديدهم بالإضراب لإنصافهم. إذ قيل لى إن الطبيب الذى يقضى أكثر من سبع سنوات لكى يتخرج من الكلية. يتقاضى نحو 400 جنيه، هو نصف أجر الشغالة المصرية، وغاية ما يحلم به أنى يتساوى مع الشغالة الآسيوية التى تتقاضى فى مصر نحو 600 دولار تعادل 3600 جنيه. وقيل لى إن ١٠٪ فقط من الأطباء البالغ عددهم 180 ألفا لهم عياداتهم الخاصة، فى حين أن التسعين فى المائة الآخرين يعيشون حياة بائسة يرثى لها، كأى موظف مطحون تقصم ظهره تكاليف المعيشة، حتى تعجزه عن الإنفاق على نفسه أو على أسرته، متزوجا كان أم غير متزوج. وفى الوقت الذى يعانى فيه عموم الأطباء من تلك الظروف البائسة، فإن الغضب يتضاعف عندهم حين يعلمون أن كبار المسئولين فى وزارة الصحة يحصلون على دخول شهرية تصل إلى عشرات الألوف من الجنيهات، وهذا الحاصل مع الأطباء تكرر من المدرسين والتجاريين والزراعيين وغيرهم. وإذا كان ذلك شأن المهنيين فإنه لا يختلف كثيرا عن أوضاع بقية العاملين من موظفى الدولة. أما العمال فلهم أوضاعهم التى تحتاج إلى دراسة فى كل قطاع، لتحديد طبيعة العمل وما هو مشروع أو غير مشروع فى مطالبهم. فى ظل النظام السابق كان هناك انسداد فى قنوات التعبير التى تنقل ما يجرى على أرض الواقع إلى المسئولين فى الدولة. وحين أزيلت تلك العوائق بعد الثورة اكتشفنا أنه لا تتوافر لنا وسيلة تقوم بمد الجسور بين السلطة والمجتمع. فالأحزاب لاتزال جنينية تحبو فضلا عن أنها مشغولة بمشاحناتها، والنقابات العمالية جرى إخصاؤها حتى لم نعد نلمس لها حضورا يذكر. كما أنه لا توجد لدينا مؤسسات شعبية منتخبة تنوب عن القواعد فى التواصل مع السلطة والدفاع عن حقوق المجتمع إزاءها. سد هذه الثغرات يتطلب وقتا، لكن حبال الصبر أصبحت قصيرة عند الغاضبين والمأزومين بحيث لم يعودوا قادرين على احتمال مزيد من الانتظار، وما يفاقم الأزمة أننا لا نكاد نرى جهدا ملموسا من جانب السلطة للتواصل المباشر مع المجتمع، من خلال مكاشفته واطلاعه على حقائق الأوضاع التى يعانى منها الجميع. وهو ما يسوغ لى أن أقول إننا هدمنا الجدران التى كانت تفصل بين السلطة والمجتمع، لكننا لم نستطع أن نقيم الجسور الموصلة بينهما. إن المضربين معذورون، وينبغى أن يبذل جهد حثيث من جانب الحكومة لإعذارها، ولإقناع المضربين بأن مظلوميتهم إذا تعذر رفعها الآن، فهناك أمل لتحقيق ذلك فى مستقبل معلوم. إذ بعدما مضى زمن قمع المتظاهرين وإحالة أمرهم إلى جهاز أمن الدولة، فقد أصبح الخيار الوحيد المقبول هو إنجاح الحوار معهم من خلال الفهم والتفاهم، الذى يتم فى حماية القانون وليس فى حماية الشرطة.إذا صح أن فى مصر الآن وقفة احتجاجية كل ساعة، فالأمر يمكن أن يقرأ من أربع زوايا على الأقل. من ناحية هو دال على أن الشعب المصرى علا صوته بعد الثورة وما عاد ممكنا إسكاته أو تكميمه كما حدث من قبل. من ناحية ثانية فإن ذلك يعنى أن المشكلات الحياتية والمطالب الفئوية أصبحت ضاغطة بشدة على الجميع، بحيث لم تعد هناك فئة نجت من طوفان الغلاء، وقد ازداد الوجع على الجميع حين حل موعد دخول المدارس وما يستصحبه من أثقال وأعباء. من ناحية ثالثة فإن ذلك يعنى أن ثمة انسدادا فى جسور ووسائط الاتصال بين السلطة والمجتمع، بحيث لم يجد الناس سبيلا لتوصيل صوتهم إلى المسئولين سوى بالامتناع عن العمل والتظاهر فى الشارع. وإذا كنت من الباحثين عن قرائن المؤامرة فبوسعك أن ترى فى تلك الاحتجاجات والإضرابات محاولة من جانب عناصر النظام السابق وأذنابه لإرباك الحكومة والضغط عليها. مسألة الوقفة الاحتجاجية كل ساعة تقدير من جانبى استقيته من البيان الذى أصدرته وزارة الداخلية يوم الخميس الماضى (20/9) وأعلنت فيه أن مصر شهدت 1400 وقفة احتجاجية وقطع طرق خلال الـ48 يوما الأخيرة، منها 80 حالة قطع طريق و60 حالة تعطيل لحركة السكك الحديدية. وحين حذفت الحالات الأخيرة تبقى أمامى 1285 وقفة احتجاجية خلال تلك الفترة، إذا وزعتها على 50 يوما فستحصل على النتيجة التى وصلت إليها. حتى إذا كانت الأرقام تحتاج إلى تدقيق، فالقدر الثابت أن قطاعات عريضة جدا من أبناء الشعب المصرى ليست راضية عن أوضاعها المعيشية. وقد أتاحت لها أجواء ما بعد الثورة أن تخرج إلى الفضاء وتطالب بحقها المشروع فى الإنصاف. لقد أتيح لى خلال الأيام الماضية أن أستمع إلى شكاوى بعض العاملين، وأقنعنى ذلك بمظلوميتهم وحقهم المبرر فى الغضب وأدركت أنهم لا يشكون فقط من تدنى دخولهم إذا قورنت بمعدلات الغلاء المتزايدة وبأوجه الإنفاق التى يتعذر احتمالها. ولكنهم يشكون أيضا من التفاوت الهائل فى الدخول فى القطاعات التى يعملون بها. لم أصدق ما سمعت عن تدهور أوضاع الأطباء وانحطاط أجورهم وتهديدهم بالإضراب لإنصافهم. إذ قيل لى إن الطبيب الذى يقضى أكثر من سبع سنوات لكى يتخرج من الكلية. يتقاضى نحو 400 جنيه، هو نصف أجر الشغالة المصرية، وغاية ما يحلم به أنى يتساوى مع الشغالة الآسيوية التى تتقاضى فى مصر نحو 600 دولار تعادل 3600 جنيه. وقيل لى إن ١٠٪ فقط من الأطباء البالغ عددهم 180 ألفا لهم عياداتهم الخاصة، فى حين أن التسعين فى المائة الآخرين يعيشون حياة بائسة يرثى لها، كأى موظف مطحون تقصم ظهره تكاليف المعيشة، حتى تعجزه عن الإنفاق على نفسه أو على أسرته، متزوجا كان أم غير متزوج. وفى الوقت الذى يعانى فيه عموم الأطباء من تلك الظروف البائسة، فإن الغضب يتضاعف عندهم حين يعلمون أن كبار المسئولين فى وزارة الصحة يحصلون على دخول شهرية تصل إلى عشرات الألوف من الجنيهات، وهذا الحاصل مع الأطباء تكرر من المدرسين والتجاريين والزراعيين وغيرهم. وإذا كان ذلك شأن المهنيين فإنه لا يختلف كثيرا عن أوضاع بقية العاملين من موظفى الدولة. أما العمال فلهم أوضاعهم التى تحتاج إلى دراسة فى كل قطاع، لتحديد طبيعة العمل وما هو مشروع أو غير مشروع فى مطالبهم. فى ظل النظام السابق كان هناك انسداد فى قنوات التعبير التى تنقل ما يجرى على أرض الواقع إلى المسئولين فى الدولة. وحين أزيلت تلك العوائق بعد الثورة اكتشفنا أنه لا تتوافر لنا وسيلة تقوم بمد الجسور بين السلطة والمجتمع. فالأحزاب لاتزال جنينية تحبو فضلا عن أنها مشغولة بمشاحناتها، والنقابات العمالية جرى إخصاؤها حتى لم نعد نلمس لها حضورا يذكر. كما أنه لا توجد لدينا مؤسسات شعبية منتخبة تنوب عن القواعد فى التواصل مع السلطة والدفاع عن حقوق المجتمع إزاءها. سد هذه الثغرات يتطلب وقتا، لكن حبال الصبر أصبحت قصيرة عند الغاضبين والمأزومين بحيث لم يعودوا قادرين على احتمال مزيد من الانتظار، وما يفاقم الأزمة أننا لا نكاد نرى جهدا ملموسا من جانب السلطة للتواصل المباشر مع المجتمع، من خلال مكاشفته واطلاعه على حقائق الأوضاع التى يعانى منها الجميع. وهو ما يسوغ لى أن أقول إننا هدمنا الجدران التى كانت تفصل بين السلطة والمجتمع، لكننا لم نستطع أن نقيم الجسور الموصلة بينهما. إن المضربين معذورون، وينبغى أن يبذل جهد حثيث من جانب الحكومة لإعذارها، ولإقناع المضربين بأن مظلوميتهم إذا تعذر رفعها الآن، فهناك أمل لتحقيق ذلك فى مستقبل معلوم. إذ بعدما مضى زمن قمع المتظاهرين وإحالة أمرهم إلى جهاز أمن الدولة، فقد أصبح الخيار الوحيد المقبول هو إنجاح الحوار معهم من خلال الفهم والتفاهم، الذى يتم فى حماية القانون وليس فى حماية الشرطة.