عانت معظم المدن الفلسطينية من الضفة الغربية المحتلة، خلال فصل الشتاء الحالي من انقطاعات مطولة في التيار الكهربائي، استمرت في بعض الأحيان لنحو أربع أو خمس ساعات متواصلة، لأسباب مختلفة في كل مرة، ما أثار استياءً واسعا لدى المواطنين، خاصة في ظل الأحوال الجوية الباردة واعتماد اغلبيتهم على التدفئة الكهربائية.
وتعمل ثلاث شركات توزيع للكهرباء في الضفة، وهي: كهرباء محافظة القدس (رام الله وضواحي القدس)، وكهرباء الجنوب (الخليل وبيت لحم)، وكهرباء الشمال (نابلس وجنين)، اضافة إلى مناطق تتزود بالخدمة من الشركة القطرية الإسرائيلية بشكل مباشر.
ويُقسم قطاع الكهرباء إلى ثلاثة أقسام، هي: توليد، ونقل، وتوزيع، ولا يسمح لشركات التوزيع بالاستثمار بالتوليد، وحديثا سمح القانون لهذه الشركات بالمساهمة بما لا يزيد عن 25% في شركات التوليد.
ورغم ما ساقته تلك الشركات لتبرير تكرار انقطاع الكهرباء، إلا أنها لم تكن مقنعة لشريحة واسعة من الفلسطينيين، خاصة لمن يحملون "بطاقات الدفع المسبق"، أو الملتزمين بدفع الفواتير المترتبة عليهم، معبّرين عن غضبهم من أداء تلك الشركات عبر منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر ببعضهم للدعوة لحراك مجتمعي ضدها.
كهرباء القدس
المشكلة الأكبر، كانت لدى شركة كهرباء القدس، التي نتج عنها اقدام الشركة القُطرية الإسرائيلية على قطع التيار عن بعض مناطق امتياز الشركة، خاصة مدينة رام الله، التي تقع بها الوزارات والمؤسسات الخدماتية الكبرى.
هذا الأمر دفع بحكومة اشتية للتدخل من خلال رعايتها لاتفاق في 29 كانون الاول/ ديسمبر المنصرم، بين الشركة وتجمع البنوك، تحصل بموجبه على قرض بقيمة 670 مليون شيقل (قرابة الـ194 مليون دولار)، لتسديد التزاماتها المالية لصالح شركة الكهرباء الإسرائيلية، والتي تصل إلى مليار وربع المليار شيقل.
إلا أن الازمة تواصلت وتفاقمت، ولكن هذه المرة لأسباب مختلفة، ومنها: احتراق محول وكذلك زيادة الاحمال الكهربائية، لكن حقيقة الأمر غير ذلك، كما تبين لمراسل "فلسطين الآن".
سرقة التيار
فقد كشفت مصادر موثوقة عن سرقات ضخمة يتعرض لها التيار الكهربائي، من مصانع وشركات كبرى أقيمت منذ سنوات طويلة على أطراف المخيمات الفلسطينية -المعفية من الدفع- التي تقع ضمن مناطق امتياز الشركة، فاستفاد أصحاب تلك المصانع والشركات من ذلك، وقاموا بمد شبكات خاصة بهم من داخل المحولات الرئيسية في تلك المخيمات.
المصادر قالت إنه "لو تم احتساب الكهرباء، لكانت المبالغ بمئات ملايين الشواكل، لكن ولأسباب كثيرة جدا، لا يستطيع أحد المس او الاقتراب من هذا الملف الحساس".
مساعد المدير العام للشؤون الفنية في شركة كهرباء القدس منصور نصار، نقل عنه قوله إن "الحكومة على اطلاع بشكل كبير على السرقات وعلى الأزمة المالية التي تمر بها الشركة، وإن غياب عقوبات رادعة لسارقي الكهرباء والمتهربين من دفع الفواتير فاقم الأزمة المالية".
وأضاف، أن الشركة تمر بمرحلة خطيرة حيث حجز على حسابات الشركة في كافة البنوك الإسرائيلية بسبب التأخر في دفع المديونية، محملا المتهربين وسارقي الكهرباء مسؤولية اعطاء إسرائيل الفرصة التي تنتظرها لوضع يدها على أملاك الشركة المرهونة للبنك من أراضي وعمارات سكنية في القدس الشرقية، مؤكدا أن هناك إهمالا من الجهات الرسمية في التعاطي مع قضية الكهرباء، خاصة فيما يتعلق بشركة كهرباء القدس والزام المواطنين بدفع ما عليهم من فواتير وملاحقة سارقي الكهرباء.
كهرباء الشمال
أما في نابلس، كبرى مدن شمال الضفة الغربية، فهي تتغذى كهربائيا من خلال شركة توزيع كهرباء الشمال، حيث أنه منذ عام 2009 لم يطرأ أي زيادة على القدرة الكهربائية الآتية من الشبكة الإسرائيلية البالغة 83 ميغاواط، رغم الاقبال الشديد على استخدام الكهرباء نتيجة التوسع العمراني والاقتصادي الملحوظ خلال العقد الأخير، والاعتماد على الكهرباء كمصدر رئيسي للتدفئة عوضا عن الوسائل التقليدية كالغاز والفحم.
وتحتاج نابلس في وضعها الطبيعي إلى نحو 100 ميغا واط على أقل تقدير، وقد ترتفع أكثر في ظل المنخفضات الجوية والبرودة الشديدة لتصل إلى نحو 110 ميغا واط.
وأنشأت السلطة الفلسطينية أربع محطات للضغط العالي، وهي: صرة في نابلس، والجلمة في جنين، وترقوميا في الخليل، ومحطة رام الله، وتم تشغيل محطة الجلمة ما أنهى أزمة الكهرباء بشكل كلي في جنين، لكن الاحتلال يتعنت بتشغيل بقية المحطات، وخاصة محطة "صرة"، الجاهزة للعمل منذ سنوات؛ بحجة ربطها بقضية الديون المترتبة على شركة كهرباء القدس، علما أن "كهرباء الشمال" ليس عليها أي ديون للشركة الإسرائيلية.
محطة صرة
يقول مدير عام الشركة أسعد سوالمة لـ"فلسطين الآن" أنه: "في حال تشغيل محطة "صرة" ستكون قدرتها الانتاجية 135 ميغاواط، ما يعني انتهاء المشكلة نهائيا. وحتى ذلك الحين، لجأت الشركة لتطبيق برنامج فصل مجدول عن مناطق معينة لمدة ساعة، ثم ننتقل لمناطق جديدة وهكذا طيلة اليوم".
كما طرحت الشركة عطاءات لتزويدها بمولدات بقدرة 1.5 ميغا، لكن لم تحصل على أية عروض، وفي الوقت نفسه تسعى عقد اتفاقية لشراء الكهرباء من الأردن بنقلها عبر شبكة الاغوار، بقدرة 40 ميغاواط، ضمن سياسة الانفكاك عن الاحتلال.
ومن الحلول الأخرى -وفق سوالمة- انشاء محطات لتوليد الطاقة الشمسية، لكنها عالية التكلفة؛ من حيث أسعار الأراضي، وتكاليف التشغيل والمعدات.
وأضاف: "علينا أن ندرك اننا تحت احتلال يتحكم بكل مفاصل حياتنا، وكل الخيارات المطروحة يمكن للاحتلال أن يعرقلها، بما فيها شراء الكهرباء من الاردن، أو توليد الكهرباء محليا، أو بناء محطات الطاقة الشمسية في مناطق (ج)".
ويشدد سوالمة على أن الاحتلال هو المصدر شبه الوحيد للطاقة الكهربائية بالضفة الغربية عامة، والقرار بيده، وفي حال زادت الاحمال عن حدها نتيجة الاستهلاك الكبير للكهرباء، فإنه يهددنا إذا لم نقطع عن مناطق واسعة لتخفيف الضغط، بأن يقوم هو بقطعها كليا، لذا لا خيارات أمامنا.
وتراقب طواقم الشركة الاحمال على مدار الساعة لمنع تجاوزها الحد المسموح به.