الحجر الصحي فتح أمامنا شاشات أفلام ومسلسلات ما كانت في القائمة المفضلة لولا كورونا.
وحصل أن حزمة من أفلام السينما الإسرائيلية، المنتجة في الولايات المتحدة وخارجها، وجدت طريقها للمشاهد بحكم الإعلانات المتواترة حولها. ولأنها تحمل عناوين جذابة.
ولعل الجامع المشترك لغالبية هذه الأفلام، أنها تقدم الرواية الإسرائيلية حصرا للأحداث ولا تفتح، ولو كوة صغيرة للرواية الأخرى، وتحديدا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يظهر العربي إرهابيا خالصا والإسرائيلي ضحية طاهرة، والوقائع التاريخية المثبتة بالوثائق مجرد وجهة نظر!
وحتى الأحداث التي لم يمض عليها زمن طويل، ورصدتها عدسات الكاميرات، مثل العملية الإرهابية في ميونخ الألمانية يوم الخامس من سبتمبر عام 1972 أثناء دورة الألعاب الأولمبية، فإن الرواية الإسرائيلية لفلم بنفس الاسم ( ميونخ) يسرف في إضفاء الخيال على حادث تناولته الصحافة المرئية والمقروأة والمسموعة من أقصى الأرض إلى أقصاها.
ويظهر البطل الإسرائيلي في معظم الأفلام خارقا لناحية الشجاعة والإقدام ولناحية تمسكه بالفضيلة والعدل، فيما الفلسطيني قاتل إرهابي مجرد من كل القيم.
فلم ميونخ، النموذج الأكثر سطوعا على البطولات الخارقة للموساد وكذلك المسلسل الطويل (فوضى، ويشترك مع (ميونخ) في أن البطل، وعلى طريقة أفلام بوليود الهندية، لن يموت حتى لو ضربته قنبلة نووية!!
الملفت أن السينما، المتعصبة للرواية الإسرائيلية، لا تتهم بالعداء للسامية حين تظهر العرب، وهم ساميون، على أنهم قتلة وقتلة فقط.
في نفس الوقت، تنفجر إسرائيل الرسمية غضبا، إذا ما ظهر نتاج فني، أيا كانت جنسيته يتعرض للاعتداءات والحروب الإسرائيلية على العرب.
ويعكس احتجاج الخارجية الإسرائيلية لدى القاهرة بسبب عبارة قيلت في مسلسل (النهاية ) المصري، المعايير المزدوجة للمؤسسة الإسرائيلية بكل تجلياتها السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية.
على المقلب الآخر، ترحب إسرائيل، بمسلسل (أم هارون) الخليجي، بطولة الممثلة الكويتية الشهيرة حياة الفهد الذي يؤرخ للكويت ما قبل قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، ويصور حياة الأسر اليهودية القليلة التي تعايشت في الكويت مع بقية أبناء الإمارة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
يذكر أن الأخوين صالح وداود الكويتي، وهما من أسرة يهودية نزحت إلى الكويت من العراق، يعتبران أبوي الطرب الكويتي والخليجي.
ومعروف أن ليهود العراق، إسهامات في الحياة الثقافية والفنية والاجتماعية، عدا عن السياسية، تركت بصمات واضحة ما تزال في ذاكرة من تبقى على قيد الحياة وأدرك، ولو في الطفولة، تلك السنوات.
ولعل الممثلة الكويتية، حياة الفهد، تشعر بالحنين لتلك الأيام حين اختارت القيام ببطولة (أم هارون) المسلسل الخليجي المثير للجدل وتعرض حلقاته مع بدء شهر رمضان.
أثار المسلسل جدلا واسعا على مواقع التواصل، وقوبل بالاستنكار والشجب من قبل فصائل فلسطينية، اعتبرته جزءا من مسلسل التطبيع مع إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية والغدر بشعبها.
ومع أن المسلسل في حلقاته الأولى، إلا أن خصوم وأعداء التطبيع مع إسرائيل، صنفوه على أنه فعل سياسي ولم يوفروا في الشجب مفردة إلا وقالوها بحق ممولي ومنتجي المسلسل وفريق التمثيل.
ومع ذلك تستمر القناة التلفزيونية صاحبة المسلسل بعرضه، ولم يكترث القائمون عليه لنبال النقد وسهام التجريح.
الغريب، أن إسرائيل التي تتفاخر بأنها الديمقراطية الوحيدة والمتفردة في المنطقة، ضاق صدر خارجيتها لعبارة يتيمة في مسلسل ( النهاية) المصري الذي يقول المؤلف عمرو سمير عاطف إنه ليس عملا سياسيا، وإنما "خيالي علمي".
ويضيف عاطف "كون أن هناك مشهدا يحث على تحرير القدس فهو أمر يتمناه كل عربي".
تعارض إسرائيل التمنيات، لكنها تتبنى كل النظريات العنصرية، والفرضيات اللاهوتية المؤسسة لدولة إسرائيل، القائمة بالأساس، وفق رأي غالبية المؤرخين، بمن فيهم إسرائيليون على الخرافة الدينية.
ينعكس البعد اللاهوتي الخرافي في معظم صناعة السينما الإسرائيلية في استوديوهات هوليود. ويتم تزييف الوقائع وتزوير التاريخ، وإحلال الخيال على أحداث وقعت بالأمس القريب، مثل عملية المنظمة الإرهابية "أيلول الأسود" في ميونخ ضد الفريق الرياضي الإسرائيلي ومصرع الخاطفين والمخطوفين في أحد أبشع العمليات.
وفِي الفيلم الروائي المكرس للحادث، تبقى الأسماء التاريخية نفسها، لكن المؤلف والمنتج والمخرج، يسمحون لأنفسهم بتجاوز الوقائع التاريخية التي ما تزال طرية في الذاكرة، وتصوير العربي على أنه ليس أكثر من قاتل بلا قلب، يواجه ملائكة رحماء من إسرائيل التي تركز على مقولة الحق التاريخي في أرض فلسطين ونفي أو استعباد شعبها.
يتذكر أصحاب (أم هارون) اليهود الذين عاشوا قرونا بين ظهراني العرب، بالخير والمحبة، والتبشير بالأخوة، فيما تهيمن العنجهية والعنصرية على النتاج السينمائي وغالبية الإبداع الأدبي الإسرائيلي، المسكون بهاجس التفوق العرقي الأقرب الى النازية.
سلام مسافر
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب