ما هو الرابط بين أجنحة الفراشات وقطاع الهندسة؟ يخيل للقارئ للوهلة الأولى أن الفراشات كائنات خفيفة جميلة، يتغنى بها الشعراء والحالمون فحسب، غير أن الدراسات العلمية الحديثة تحاول أن تستثمر في فهم آلية الفراشات في التصدي لقطرات المياه من أجل تطوير مواد عازلة للمياه يمكن أن يستفاد منها في قطاعات عديدة ومختلفة.
قطرات المطر والكائنات الهشة
يقول المهندس البيولوجي والبيئي سنغاون جونغ، من جامعة كورنيل في ولاية نيويورك الأميركية، إن أخطر الحوادث التي تتعرض لها الحيوانات الصغيرة هي ارتطامها بقطرات المياه.
إذ يشرح جونغ أن أثر ارتطام قطرات المياه بالكائنات الصغيرة الهشة لا يرتبط بقوة الارتطام فحسب، بل يؤثر أيضا على سرعة طيران الحشرات ودفء أجسامها. لذا تعتبر المدة الزمنية لالتصاق قطرات المياه على أجسام الحيوانات عاملا حرجا للكثير منها.
درس الفريق البحثي الذي يضم جونغ وسنغهو كيم وباحثين آخرين، آلية بعض الحيوانات والنباتات في مواجهة الخطر المحتمل من قطرات المطر.
فاستخدم الفريق البحثي كاميرا فائقة السرعة لمراقبة أثر المياه على أجسام بعض الحيوانات ومنها: الفراشة، وحشرة العتة، وحشرة اليعسوب، وتعد الأخيرة من أسرع الحشرات في العالم، وريش طائر الأطيش، وهو طائر بحري ينتمي إلى فصيلة البجعيات، وأوراق شجرة كاتسورا.
ترتطم قطرات المطر على أجنحة الفراشات بأشواك مجهرية فتثقبها وتمزقها لقطيرات صغيرة – كيم وزملاؤه (بي إن إيه إس – وفقا لرخصة كرييتيف كومونز)
أشواك وآليات نانوية
يذكر أن دراسات سابقة ارتكزت على آليات مراقبة مماثلة لقطرات مياه ذات سرعة أقل من قطرات المطر الحقيقية، التي يمكن أن تبلغ عشرة أمتار في الثانية.
غير أن الفريق البحثي، في هذه الدراسة التي نشرت في دورية "بي إن إي إس" يوم 5 يونيو/حزيران الجاري بعنوان "كيف تتحطم قطرات المياه على الأسطح البيولوجية؟"، رشق الأجسام بقطرات ذات سرعة عالية، وسجّل مختلف الديناميكيات التي يمكن ملاحظتها.
لاحظ الفريق البحثي أن قطرات المطر على أوراق الشجر أو أجنحة الفراشات ترتطم بأشواك مجهرية.
وهو ما يولّد موجات، متداخلة بعضها في بعض، في قطرات المياه التي تأخذ شكلا مجعدا أثناء انتشارها، وبسماكة مختلفة وفق حجمها، وتسمح الأشواك المجهرية الموجودة على أسطح الأجنحة بثقب قطرات المياه وتمزقيها إلى أجزاء صغيرة جدا.
ووجد الباحثون أن الأسطح الطبيعية لهذه الكائنات تضم طبقة من الشمع جد صغيرة (على مقياس نانو) تساعد على التصدي لقطرات المياه، مما يساهم، بالتزامن مع تجزئة القطرات، في تقليص الفترة الزمنية لالتصاق قطرات المياه على الأسطح إلى أكثر من 70%.