خلال جولة للضباط المظليين (الإسرائيليين) على حدود قطاع غزة، كشف المقدم "أمير نوعام"- مسؤول كتيبة المظليين في جيش الاحتلال أمام ضباطه- أن فكرة العودة لاجتياح قطاع غزة تراود قيادة الجيش (الإسرائيلي) وأنها خطوة لا بد منها آجلا أو عاجلا. تصريحات نوعام وغيره من قيادات الاحتلال تعيد إلى الأذهان الأجواء التي كانت سائدة عشية العدوان على غزة 2008-2009 الذي أطلق عليه (الإسرائيليون) اسم الرصاص المصبوب. ويرى أمير برعام في حديثه لضباطه ضرورة إعادة اجتياح قطاع غزة لمحاربة المقاومة هناك ولو تطلب الأمر أن تدور المعارك من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع، وأنه في نهاية الأمر ستضطر (إسرائيل) للدخول ثانية من خلال البر إلى قطاع غزة وأن الغارات من خلال الطيران لن تفي بالغرض المطلوب منها. قادة جيش الاحتلال والمحللون العسكريون عادوا مجدداً للتحريض ضد غزة عبر الادعاء بارتفاع في الخط البياني لعدد الصواريخ التي تسقط على البلدات والمستوطنات في أراضي فلسطين المحتلة عام 48 فيما يتصاعد الحديث في وسائل الإعلام (الإسرائيلية) حول تعاظم قدرات المقاومة مقابل ارتفاع وتيرة الاستعدادات (الإسرائيلية) في الجبهة الداخلية وتهيئتها للمواجهة القادمة، وذلك للأهداف نفسها التي دفعت جيش الاحتلال شن عدوان ضد قطاع غزة والتي كان من بينها: - تدمير قوة المقاومة العسكرية في قطاع غزة. -إعادة قدرة الردع (الإسرائيلي) ووقف إطلاق الصواريخ من غزة. ومن المفارقات الغريبة أنه قبل تنفيذ العدوان المفاجئ شتاء 2008 كان بين الطرفين -حماس والاحتلال- تهدئة هشة بوساطة مصرية كما هي الحال اليوم. خلال تهدئة العام 2008 كان الاحتلال يسعى لتغيير قواعد المواجهة والاشتباك كي تصبح بشروط (إسرائيلية) الأمر الذي رفضته حماس، فتحولت التهدئة لاحقا إلى مواجهة طاحنة خاضها الاحتلال على عدة مراحل ثم عادت التهدئة مجددا كمصلحة للطرفين. خلال الفترة الماضية استطاعت حماس تحقيق أهدافها جزئيا، كما حاولت صيانة الوضع الراهن والحفاظ على التهدئة كما هي، ورفضت تغيير شروط الاشتباك أو قواعده خلال موجات التصعيد المتقطعة على مدار نحو خمس سنوات. وكما هو الحال خلال جولة التصعيد الأخيرة اضطرت حماس في بعض موجات التصعيد السباقة إلى النزول بنفسها وقيادة القتال لاستعادة صورتها بصفتها حركة مقاومة، وسعت لإبقاء التصعيد ضمن أدنى مستوى ممكن والعودة للتهدئة بأسرع وقت ممكن, والاطمئنان إلى عدم استخدام غزة لتحقيق أي أهداف فئوية أو كساحة لتبادل الرسائل الإقليمية. وهذا ما أثمر ليس تقصير مدة القتال فقط بل أيضا بتقليص الأضرار والخسائر البشرية والمادية في الجانب الفلسطيني والحفاظ على التهدئة بشروطها أو قواعدها العريضة مثلما كانت منذ انتهاء حرب غزة الأخيرة في شتاء عام 2009. ويبدو أن التهدئة لا تزال مصلحة للطرفين وأقل ذلك على المدى المنظور: من جانب أول (تل أبيب) لاستمرار الحصار وتبريره عبر شيطنة غزة وأهلها واتهامها بالمسؤولية عن تردي الوضع الأمني في المنطقة ناهيك عن الحفاظ على الانقسام الفلسطيني الحالي باعتباره مصلحة (إسرائيلية) من الدرجة الأولى، أما حماس فتريد من جهتها التمسك بالسلطة والمقاومة معا، وهي تعتبر أن الزمن يعمل لمصلحتها وأن المتغيّرات الإقليمية تصب في الخانة نفسها أيضا، فما عليها سوى الانتظار وإدارة الوضع الراهن بحرص وحذر إلى حين حلول وقت الحصاد وهو برأيها ليس بعيدا. في المقابل لم تعد الخيارات التي كانت متاحة لـ(إسرائيل) بشأن قطاع غزة قبل "الرصاص المصبوب" قائمة اليوم بعدما أصبحت المنطقة برمتها فوق صفيح ساخن, فلم تعد جبهة غزة وحدها القابلة للاشتعال لأن الملف النووي الإيراني أصبح على سلم أولويات المواجهة بالنسبة للاحتلال, ودول الطوق أصبحت أيضا طوقا من نار، فالأوضاع في سوريا مفتوحة على كل السيناريوهات، وهي في مجملها تحمل سحابة سوداء قد تصل للاحتلال, كما أن الساحة اللبنانية قابلة للاشتعال في أي لحظة في ظل الصراع المتصاعد مع حزب الله, وأخيرا مصر مبارك التي مثلت كنزا استراتيجيا بالنسبة لـ(الإسرائيليين) أصبحت -لو جزئيا- بين أيدي "الإخوان المسلمون", فيما الساحة الأردنية غير مستقرة. وأمام كل ذلك، عاد قادة (إسرائيل) يواجهون ضغوطا أكبر لاتخاذ إجراءات صارمة ضد المقاومين الذين يطلقون الصواريخ على المدن (الإسرائيلية) وباتت صواريخهم أكثر قربا من المدن الأبعد مثل مدينة عسقلان. واليوم، يبدو أنّ الطّرفين المتحاربين مقبلان على موجة تصعيد تلعب فيها الانتخابات (الإسرائيلية) دورا قد يدفع نتنياهو التفكير باستعراض قوته لرفع أسهمه الانتخابية من خلال عملية خاطفة سريعة ومركزة تعيد ترميم قدرة الردع المتآكلة لجيش الاحتلال. فيما سيكون رد المقاومة أيضاً مكثفاً ومضبوطاً ومنسقاً على غرار التنسيق السابق بين كتائب القسام وسرايا القدس والرد الأخير المشترك بين القسام وألوية الناصر صلاح الدين ما يمنح المقاومة أفضلية كي تتحكم في الأداء الميداني وتمتلك زمام المعركة بعيداً عن ردود الأفعال.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.