"أنا مش كافر.. بس الجوع كافر"، عبارة تركها مواطن لبناني على ورقة في شارع الحمرا، قبل أن يقدم على الانتحار وينهي حياته، بعدما سدت كل الطرق أمامه، في بلد يتداعى فيه الأمن الاجتماعي والاقتصادي والنفسي للناس.
وكتب المواطن اللبناني، الذي أقدم على الانتحار، كلماته الأخيرة على سجل عدلي، وهو ورقة رسمية تفيد بأنه غير محكوم عليه بأي جنحة أو جناية، وإلى جانب الورقة علم لبنان.
وبعد أن أنهى الرجل حياته بطلق ناري في الرأس، ترك لفترة جثة هامدة على الرصيف في العاصمة بيروت، في مشهد صدم الرأي العام اللبناني من شدة قساوته.
وتأتي الحادثة في ظل شعور باليأس والبؤس وصل إليه السواد الأعظم من الشعب اللبناني، الذي يئن اقتصاديا منذ أشهر، في ظل ظروف سيئة لم يشهدها لبنان في تاريخه.
وهزت حادثة الانتحار الرأي العام اللبناني، وزادت من "وجع اللبنانيين وألمهم" وهم يواجهون أعنف ظروف معيشية، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية.
وبعيد حادثة الانتحار، تجمع محتجون في شارع الحمرا وأطلقوا صرخات ضد الطبقة السياسية، التي أوصلت البلاد إلى الانهيار، بحسب وصفهم.
وبينما افترش العشرات الأرض، أظهرت لقطات مصورة أحد أقارب الشاب وهو يصرخ في الشارع ويقول: "ابن عمي قتل نفسه بسببكم، قتل نفسه من الجوع بسببكم، لعن الله هذا البلد، لعن الله هذه الحكومة وكل السياسيين".
وحملت سيدة لافتة كتب عليها "فسادكم قتلنا"، وبكت متأثرة من مشهد الانتحار، وطالبت الناس النزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم وأسقاط الطبقة السياسية.
ولم ينته "اليوم الأسود"، كما وصفه لبنانيون، في شارع الحمرا، ففي جدرا جنوبي بيروت، عثر على جثة مواطن مشنوقا داخل شقته في الشوف بجبل لبنان، وهرعت القوى الأمنية والأدلة الجنائية للتحقيق ف الحادث.
وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن الرجل المشنوق هو والد لطفلة، ويعمل سائقا لحافلة ركاب.
وفور شيوع الخبر، اعتصم العشرات من سائقي الحافلات والباصات في مدينة صيدا جنوبي لبنان، بسبب الوضع الاقتصادي الذي أدى إلى انتحار زميلهم.
ويشعر كثير من اللبنانيين بإحباط كبير مما وصلت إليه البلاد، بسبب تردي الوضع المعيشي، خصوصا مع عدم قدرتهم على تغيير واقعهم، وعدم استجابة الطبقة السياسية ومن هم في موقع المسؤولية لحاجات الناس ومطالبهم.
ويحوم شبح الجوع والفقر في كثير من بيوت اللبنانيين، وزادت أرقام البطالة في كل المناطق اللبنانية، وتشير إحصاءات إلى أن أكثر من 130 ألف شخص فقدوا وظائفهم منذ بداية العام الحالي نتيجة الأزمة الاقتصادية.
وبحسب إحصاءات البنك الدولي، فإن 50 بالمئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر، و30 بالمئة منهم تحت خط الفقر المدقع. وتشير التوقعات إلى أن أي تحديث للأرقام سيكشف مزيدا من الفقر والعوز في البلاد.