تطلّ علينا بين الحين والآخر جريمة ما يسمّى جرائم الشرف، وكأننا في سباق لإخراج أفلام رعب وانحطاط بشري لم يسبقنا إليه أحد، وهنا نقف بين من يأتي للناس بالمنظور الديني والقيمي والأخلاقي للمرأة واحترامها ومكانتها العالية في منظومة ثقافية تدين الجريمة ولا تعطي لها أي تبرير بأي حال من الأحوال، وبين من يحاول وضع يده على الجرح ورؤية الجريمة بموضوعية الظرف الاجتماعي الذي تمرّ فيه، هناك مسافة بين ما ينبغي أن تكون عليه الأمور وفق ما نحمل من ثقافة وبين الواقع المختلف تماما، والسؤال المحوري في الموضوع: طالما أن ثقافتنا ضد هذه الجرائم فمن أين تأتينا إذاً؟ وما هو الحلّ؟ وإلى متى؟
فمثلا الكلّ يعلم في الدين أن الجريمة هي سواء، في حال ارتكبت ضد رجل أو امرأة وأن من قتل نفسا (ذكر أو أنثى) فكأنما قتل الناس جميعا. ولكن الواقع مختلف، ما زال هناك من يتساهل في قتل المرأة خاصة إذا وجّه إليها إصبع الاتهام ولو كان صاحب هذا الإصبع غارقًا لأذنيه في الفسق والرذيلة. هو ذاته يقف في قمة السلبية ذليلًا مهانًا (على سبيل المثال) أمام سلب حريته وكرامته من قبل الاحتلال ولا يحرّك ساكنًا بينما تتحرّك نخوته وتظهر فجأة بكل عنفوانها حالة الالتباس بشبهة شرف، لا أدري كيف يغيب الشرف هناك أمام سطوة الاحتلال ويظهر هنا لتنفيس كامل غضبه ونخوته في المكان الخطأ؟!
وهنا لا بدّ أن نذهب إلى التطبيقات العملية لمنظومة القيم التي تحملها ثقافة المجتمع. لدينا اختلال كبير في تطبيقاتنا لمنظومة القيم، منها ما نطبقه على أكمل وجه ومنها ما ندير له الظهر كليّا ومنها ما نطبقه موسميا أو اذا وافق هوانا أو مصلحتنا ثم نتركه إذا اقتضت المصلحة، هناك انتقائية وموسمية ومزاجية، وهناك ما نتحرك له رئاء الناس وطلب مدحهم وثنائهم، الخلل أعتقد أنه منهجي وتربوي بالدرجة الأولى، لم تربِّ فينا المدارس ولا بيئتنا التربوية ولم تنتج منتوجًا عمليًّا نراه سلوكًا وواقعًا في حياتنا الاجتماعية إلا قليلًا، وهنا لا بدّ أن يتكامل البناء القيمي في مناهجنا وأن توضع خطط تربوية عملية لزراعتها بشكل جيّد وليكن ذلك على حساب حشو المعلومات في رؤوس أبنائنا الذين نتعب كثيرا عليهم.
فماذا نستفيد من الكمّ الهائل من المعلومات التي يحصل عليها الطلبة ونصيبهم من القيم والأخلاق قليل؟ هناك من القيم السلبية مثلا الكبر والرياء، فالمتكبر المغرور المرائي المعتاد على تحقيق ذاته من خلال وزنها عند الناس، حالة تعرضه لشبهة تصيب عرضه أو إشاعة بين الناس فإن غضبه لا تقف أمامه مخافة الله الضعيفة في قلبه أصلا، فتجده يسارع نحو الوقوع في الجريمة كما هو حال وقوع الفراش في النار.
الأمر الثاني: القوانين الرادعة، لأن الله يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن (العبارة الذهبية التي أطلقها عثمان بن عفان رضي الله عنه في خطبة لم يتحدث فيها غير هذه العبارة) فالذين يرتكبون هذه الجرائم البشعة على الغالب هم جبناء يستغلون ثغرة في القانون وثقافة متساهلة، فإذا اشتغلنا على الأمرين: عقوبة رادعة مع ثقافة قوية مؤثرة مع العمل الجاد على بناء تربوي منذ الصغر لمنظومة القيم، فالأمر لا بدّ وأن يختلف تماما.