على غير عادتي، جافاني النوم تلك الليلة. صَمْتٌ دامٍ يَعُضُّ القلب، والساكت على هذا الحدث الجَلَلْ، شيطان أخرس ! حاولت الاسترخاء جَهدي، ولكن الليل الأصَمّ كان جاحظ العينين، لا يرحم حالة الذهول، التي رمتني بدائها "كوابيس عباس" وما انسلت حتى الفجر، ثقيلةٌ، كأنها قُبةٌ من رصاص، تطاردني حَدّ الهذيان وستبقى ما حييت تُذَكِّرُني "بلعنة مُنقَرَع" في الأسطورة الفرعونية ! على أرض فلسطين التي تأن تحت وطأة احتلال إجلائي نازي مجرم، ما خَبِرتْ نظيره البشرية يوماً، ومن بين ركام ما بَقِيَ من البلاد والعباد، يخرج علينا "فرعون المقاطعة" بفرمان أهوج يَخجلُ منه الشَطَطْ، وتنوء من مجونه الرواسي !! فهل وصلنا إلى هذا الحال، وكيف يمكن أن يكون عليه المآل ؟! عباس يدمدم: "فلسطين بالنسبة لي هي حدود عام 1967 الآن وإلى الأبد" ؟؟ " وما دمت في السلطة، فلن تكون هناك أبداً انتفاضة ثالثة، ولن أسمح بالإرهاب" ؟!! وحين تَدَخّلَ "بَهِيّ الطّلْعَة" نمر حماد–واحد من مستشارين يُعَدّون بالمئات من بقايا فاسدة تستهلك ولا تنتج غير الهذيان- ينبري لتفسير أضغاث أحلام سيد نعمته، قَدّمَ –وكعادته- ما كَشَفَ المستور على وضوحه المكرور. وكيف تحتاج تصريحات بكل جنون هذا الإسفاف والسفور تفسيراً من بطانة تداعت لدفع شؤم خيبات أمَل مُزمنة أَقْسَمَتْ على مرافقتهم حتى النهاية وقد صَفَعَهُمْ على أقفيتهم حليفهم الجديد "أفيغدور ليبرمان" الذي رفض هذا "الجميل" وهذا التهالُك الذَليل، واصفاً عباس رغم كل هذا "الانتحار" بالبعوضة التي نعطيها تصريحاً "للإقامة في الضفة" ؟!! ولكن من يَهُنْ يَسْهُل الهوان عليه ؟! أسمعُ رجع صدى الحجر وقد وقعت الفاجعة :عباس يتجاوز كل الحدود مع الذكرى الخامسة والتسعين "لوعد بلفور" بحديثه المشؤوم للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي ! وصف معلقون ذلك، بأنه وصمة عار، وصفحة سوداء بمداد من قار، وآخرون قالوا: عباس تجاوز كل الحدود، ولم يُبقِ خطاً أحمر واحداً إلّا وَداسَهُ بالنعال !! فصائل كثيرة تعتبر ذلك شأناً فردياً يخصه وحده ومحاولته البائسة "إحراج" حليفته هو إخراجٌ لِقطار القضية الوطنية الفلسطينية بِرُمّتها عن السكّة وإلقائها في اليَمّ. كُتَّابٌ كُثر نزفت أقلامهم : عباس يُدوِّن انحرافاً لم يسبقه إليه أحد، ولا حتى حداد أو لحد !! نُشطاء فلسطينيون بدؤوا جمع التواقيع: "عباس لا يمثلنا !!" يضيف أحدهم، "ولم لا، وهو يُعهّرُ دماء ذاك السّيْل الخالد الذي ما انقطع يوماً لشهداء يوقدون ناراً أبديّة لِشعلةِ مَجد لا يَنطفئ، ولِأسرى يرَسِمون طريق الآلام نحو انعتاق محتوم، وعداً إلهياً ورباطاً شعبياً واثقاً لِأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين". طفل فلسطيني بقي حيّاً لعائلة لاجئة في مخيم اليرموك يلعن اللحظة الآسنة التي دوت فيها قذائف بيع فلسطين، وقد أثقلتهُ بشاعة الجُرم الآثم وأذهلته تُخوم الانحدار فَطَغَتْ على مشاعر حزنه الدفين وقد قُتِلَ الأهل مرتين، وكأن القدر تَعمّد أن يَشي هذا الزمن الوغد بجريمتين في آن !! أسيرٌ من عمداء القيد الفولاذي المُرّ ينفجرُ في وجه جلاديه: "لن تهنؤوا بهذا الظهير، خُذوه متى وحيث شئْتم ولكن فلسطين ليست لك، أما صفد فهي لنا"، ويزأرُ بصدره العاري وقلبه العامِر بالإرادة والإيمان: سيرتد هذا الرصاص الغادِر إلى نَحْرِ مُطْلقيه !! رحم الله شهيد فلسطين الكبير صلاح خلف "أبو إياد" وقد استشرف ذلك مُنذ حين وبيروت "أم العواصم" تواجهُ بسواعد بَنِيها "الأصدقاء الجدد" حين قال مأثورته: "سيأتي يومٌ تُصبح فيه الخيانة وجهة نظر" !! ولكن لنعترف، دون مواربة، أن عباس نجح اليوم في تحريك كل أولئك الذين يموتون قبل أن يولدون، ويقتعدون الأرصفة يَهُشّون الذباب بانتظار "التسوية" وينتظرون في الردهات، ويَتَسمّرون أمام أجهزة التلفاز، دون أن يُقابلوا أحداً غير ظِلالِهِم الكئيبة على الأرصفة ؟! لقد نجح شقيقه اللدود وعدّوه الودود، وبروفيسور مَطَر السّلام الفيّاض في تفجير الطاقات الكامنة لطوابير من كانوا واهمين بانتظار أكبر صواني الكنافة النابلسية الفاخرة والمسخن المُزَيّن بالفروج البلدي الأصيل، وصنوبر الكرمل حيث أرسلوا إطفائياتهم لحمايته من النار الغادرة، وفي إسقاطنا في الدرك الأسفل لِبئر إفلاس وعجز لا قرار له ! شكراً عباس، وسلامٌ على من "اتبع الهدى" فياض، فإن أُمةً بكاملها اليوم تَحُلّ لغز تصريحاتكم التي لا لبس فيها، وقد استفاقت من سُباتِها وهي تَعي اليوم، كما لم تكُن أبداً كذلك من قبل أن " إسرائيل" هي العدو الحقيقي لهذه الأمة، وأن كل من يقدمون لها العون هم حلفاء هذا الأخطبوط أما من يرتضون المذلة والهوان فهم أدوات هذا النازي المُحتل، الذي إذا "أعطيتموه" الجليل طالب بالخليل، وإذا تنازلتم له عن سخنين تقدم نحو جنين. وماذا تقولون، يا صغارَ زمنٍ له رجاله، لِأكثر من ستة ملايين، لنصف الشعب أو يزيد، وكيف يحاول "شايلوك" القرن الحادي والعشرين فصل نصف الجسد؟ ألم تتساءلون .. كيف يكون عليه إعصار تداعت له البقية بالسهر ِوالحُمّى ؟! وما هي ارتدادات أسود سجون التقاسم الوظيفي الأمني الذي تقولون في مقابلتكم "الفضيحة" إنه كامل وناجز ويعطي ثماره المُرّة المسمومة ؟! ألا تخجلون من عيون الأيتام والأمهات الثكلى والزوجات عن دماء الأَجَلّ من فلذات الأكباد ؟!! الانتفاضة الثالثة التي أُبشِّرُ بها ثقة بارتدادات شعب عزيز كريم، قادمة رغم أنوفكم، وهاكم تَصبّون الزيت على نار تَهافتِكمْ الفادح، فالشعب بات يحفظ عن ظهر قلب "ما يَعْتَمِر"ُ في "ضمائركم الخَرِبَة" وفي صدور حلفائكم نتنياهو وليبرمان وباراك وبيريز والقادم "أعظم"!! قال المجرم "إسحق رابين"، في آخر زيارة له للقاهرة في العهد البائد للمخلوع صديقكم مبارك وكما نقلها حرفياً الصحفي "محمد حسنين هيكل" وهو الشاهد الحي: "إن الهدف من اتفاقية أوسلو هو بَعْثَرَة انتفاضة الحجارة، بعد أن استحال كسر عظامها، أما خطر التيارات الإسلامية فقد بدأ بالتزايد، وتكرار عملياتها يؤرقني، خصوصاً وأنها تواجه الجيش (الإسرائيلي) بنوع من المقاومة لا يعرفه، وأكثر من ذلك لا يفهمه.إن التكاليف المادية والمعنوية لذلك عالية جداً، ومواجهته بالغة الصعوبة. وكيف يستطيع جيش (الدفاع) أن يُخطط علمياً ضد أناس يتسابقون بشوقٍ "إلى الموت" ؟!! أما "هيكل" فيرى "أن رابين كان يتطلع إلى أن هذه السلطة سوف تحمل عنه مهمة القضاء على المقاومة" ! الشعوب العربية من حولنا تتحرك لمواجهة قهر جلّاديها وأنموذجها الصمود العظيم لشعب جينيغراد، وجبل النار في نابلس، وغزة الفداء والعزة. الشعب الفلسطيني يمور غضباً وقد طفح الكيل وهو ذاهب إلى "المقاطعة" لِدَكّ "مستعمرة الجُذام"، وَفَقْء الطفح الجلدي الذي ورثته عن عصر مستبديها، الذين استمرأ مثالها "الواقعي" بعض بني "جلدتنا" حد الإدمان، فوقعوا في حبائلها، وباعوا الوطن ومن عليه. التاريخ سِجِلّ الشعوب، وسِفْرُها الذي لن يرحم متعهدي الاحتلال ولن يرحم كل من فَرَّط وسيلقيهم حيث يجب عبرة لمن يعتبر.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.