يبدي الإسرائيليون قناعة أن التوتر الأمني القائم على الحدود الشمالية والجنوبية يعني أن حماس وحزب الله ترصدان السلوك الإسرائيلي، وفيما تسعى الأولى لتحسين الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، فإن الثاني يريد الانتقام من اغتيال أحد مقاتليه في سوريا، فيما "إسرائيل" ترد بحذر عليهما للحفاظ على مسيرة التطبيع مع الدول العربية.
الأسابيع الأخيرة التي شهدت التوترات على الحدود الجنوبية، مع تزايد إطلاق البالونات الحارقة، وعودة مشاهدة المناطق الزراعية والغابات المحترقة، وقصف سلاح الجو في قطاع غزة، تشير إلى أننا كنا أمام مواجهة محدودة، لكن الطرفين يفهمان أن الوقت الحالي ليس مناسبا لمزيد من الضغط عليها للحصول على التنازلات.
يعتقد الإسرائيليون أنه حتى أسابيع قليلة مضت، ركزت حماس على مهمة نسف خطة الضم، ولكن بمجرد حذف القضية من جدول الأعمال، وحلول الاتفاق مع الإمارات مكانه، قررت حماس أن الوقت مناسب، فالاتفاق مع قطر بشأن أموال المساعدات كان على وشك الانتهاء، واعتقدت حماس أنه من الأفضل لها عدم الانتظار حتى اللحظة الأخيرة.
القرار الإسرائيلي تجاه التعامل مع قطاع غزة يوصي بالتركيز على الساحة الشمالية، نتنياهو يتجنب الغرق على جبهتين، ويعتقد أنه من وجهة نظر استراتيجية، فإن المؤسسة العسكرية الإيرانية في سوريا تشكل خطرا أكبر على "إسرائيل"، حماس تعرف ذلك جيدًا، لذا سمحت لنفسها بتخطي حدود التصعيد، والانتقال مباشرة إلى المواجهة، ولو كانت محدودة، حتى توقفت مؤقتاً.
تزعم قطاعات إسرائيلية أن الحل الوحيد على المدى الطويل هو عملية عسكرية واسعة النطاق داخل غزة، على غرار السور الواقي في الضفة الغربية، تستمر عدة أشهر للقضاء على كل البنى التحتية العسكرية للتنظيمات المسلحة، لكن بما أنهم لا يريدون البقاء في غزة الأرض، ويتحملون المسؤولية عن الفلسطينيين هناك، فهم يسعون لتحقيق اتفاق دولي حول نزع السلاح والرقابة حتى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
في الوقت ذاته، فإن حالة الصمت الحالية في معظم الأوقات تسمح لحماس بالتصاعد، كما حدث مع حزب الله بعد حرب لبنان الثانية، وإذا لم تدمر "إسرائيل" بنيتها العسكرية الآن، رغم ارتفاع الأثمان الإسرائيلية، فسوف تستمر الحركة في النمو، وستكون الحرب في نهاية المطاف حتمية.
أما على صعيد الجبهة الشمالية، فإن لبنان غارق في أزمة سياسية عميقة للغاية عقب انفجار مرفأ بيروت، واستقالة الحكومة، والدولة على وشك الانهيار، فيما حزب الله يحاول الحفاظ على معادلة الدم بالدم، ويسعى للانتقام لمقتل أحد عناصره بسوريا، وسيواصل محاولاته لتحقيق ذلك، رغم أنه في الوقت الحالي، لا يستطيع تحميل لبنان حربا جديدة، خاصة في ضوء التحذيرات الإسرائيلية الأخيرة، صحيح أن لن يقود إلى حرب، لكنه سيحاول مواصلة اختبار "إسرائيل"، وشن هجوم آخر للحفاظ على المعادلة.