في يناير عام 1997 في العاصمة الدانمركية كوبنهاجن عقد أول اجتماع بين "مثقفين" مصريين أردنيين وفلسطينيين وبين عدد من رعايا الكيان المحتل لفلسطين وأصدروا هذا البيان: (قد اجتمعنا في كوبنهاجن لكي نساهم في حل دائم وشامل للصراع العربي ـ الإسرائيلي قبل نهاية هذا القرن، ولكي نبدأ عصرا للسلام العادل والدائم الذي يتمتع فيه الشرق الأوسط بالاستقرار والأمن والرخاء.. إننا نعرف أنه لا يزال علينا قطع طريق طويل قبل تحويل الرؤية الحقيقة للسلام إلى واقع، وأن الأمل في الوصول إلى سلام شامل يؤدي إلى التعاون الإقليمي وإلى حياة أفضل لكل شعوب الشرق الأوسط، ثم يضيف البيان.. إننا مقتنعون أننا نعكس إرادة أغلبية شعوب المنطقة التي تتطلع لوضع حد للصراع العربي ـ الإسرائيلي كمدخل لإقامة سلام وتعاون إقليمي..)
ورغم أن الموقعين على البيان وصفوا أنفسهم بأنهم يمثلون غالبية الشعوب العربية إلا أنهم ظلوا منبوذين من شعوبهم، فصلاح بسيوني، سفير مصر في روسيا سابقا، مات مهمشا لم ينعه إلا اليسار، ولطفي الخولي الكاتب اليساري المصري ظل منبوذا في مجتمع الصحافة حتى لحق برفيقه، وسعد الدين إبراهيم يعيش هاربا في أمريكا لعدم قبول الشعب أطروحاته، وجميعهم بما لم أذكر عاشوا وماتوا موصومين بالخيانة من قبل جموع الشعب ومثقفيه، ومع ذلك فإن الفكرة نفسها لا تموت، وبالدعم المالي والإعلامي الحكومي من بعض الأنظمة، لا تهمش، ولكن تطفو على السطح كفقاعة يحدثها ريح كائن حي، والفكرة بالأساس مبنية على إحلال السلام، أو كما قال نتنياهو بعد إعلان السلام مع البحرين: (السلام بالسلام والاقتصاد بالاقتصاد) ما يعني أن كل الشعوب ستنعم بالسلام وترفه بالاقتصاد المترتب عليه
في مقالي هذا لن أقف طويلا على عضوية نادي كوبنهاجن التي أسس لها صلاح بسيوني ولطفي الخولي بالتطبيع الشعبي مع الكيان المحتل والذي انضمت إليه الإمارات لتلحقها البحرين، وكما قال نتنياهو في كلمته المشار إليه أنفا (والحبل على الجرار) بمعنى أن هناك من سيلحق بالسابقين في عضوية نادي كوبنهاجن للتطبيع الشعبي، ولأن نادي كوبنهاجن هو صنيعة مخابراتية للاحتلال لاختراق المانعة الشعبية رغم الاتفاقات الرسمية بين الأنظمة فمن الطبيعي أن يختار لعرابيها حلقات ضعيفة سهلة الطي والتشكيل، فاليسار – ليس على عمومه – لا يرى مشكلة في التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، كما يرى في مثل هكذا مشروع فرصة للعودة للواجهة، كمن بال في زمزم، لأن الشعب لا يقبله، فالظن بأن ضغوط حكومة الاحتلال على النظام المصري حينها لتنفيذ اتفاق السلام سيفتح لهم أبواب العمل، كما بالضبط فعلت مخابرات الاحتلال في اختراق الإمارات التي لم تطلق طلقة على الكيان المحتل بعد ولادتها في 1971، والبحرين التي تسعى للبقاء ويتهددها الخطر، وتعمل كبالون اختبار لسيدها في الرياض، مع كل ذلك دعوني أقف على المستفيد من إعلان البحرين منذ أيام "السلام" يعني التطبيع مع الكيان المحتل.
لا شك أن المستفيد الأول وبامتياز هو الكيان المحتل، من الناحية السياسية بسحب دولتين جديدتين من الصف العربي، ومع رضا الشقيقة الكبرى والمسيطرة فعليا على الجامعة العربية فقد ضمنت قرصا مسكنا للصداع، وعلى المستوى الاقتصادي فالميزان التجاري سيميل بالطبع إلى تل أبيب، وعلى المستوى العسكري سيعلن بشكل رسمي ذلك "ناتو" الذي طالما حلم به ترامب.
وعلى سيرة ترامب فإنه وفي هذا التوقيت من أكبر الفائزين، فالرجل الذي يواجه أزمة شعبية على إثر إخفاقات كبيرة متمثلة في الغضب الشعبي على إثر العنصرية ضد السود والنساء وأزمة كورونا التي يموت فيها الآلاف يوميا وعدم المصداقية التي تتهدده منذ الانتخابات السابقة، وجد في هذه الإعلانات طوق نجاة وتقديم أوراق اعتماد جديدة للوبي الصهيوني ولوبي السلاح الموعودين بمزيد من الثمار على إثر هذه الإعلانات، فعضوية كوبنهاجن الحائز عليها كل من الإمارات والبحرين مع وعود بعضويات جديدة واختراقات جديدة تمنحه نقاطا في سباقه الانتخابي، حتى أن أحدهم يريد ترشيحه لنيل نوبل للسلام، ولا عجب.
ومن الرابحين من عضوية كل من الإمارات والبحرين في نادي كوبنهاجن دولة قطر، فالمراقب لتغطية قناة الجزيرة الذراع الناعم والأقوى لقطر يعرف أن إعلان البحرين كانت فرصة لاجترار الماضي ووضع الإمارات في جملة مفيدة، بعد أن فات الاحتفاء فيها في جرسة شعبية تؤكد "خيانتها" للقضية العربية المحورية قضية فلسطين والقدس وتصب مزيدا من التعاطف مع الدولة المحاصرة منذ ما يزيد على الثلاثة سنوات، ولها في ذلك حق، فلب السياسة هو اقتناص الفرص.
وقريب من هذا الخط وجدت إيران وأذرعها، حزب الله والحوثي والحشد في العراق، فرصة للظهور بمظهر الصادق في صيحتهم الأشهر (الموت لإسرائيل) وعلى الرغم من أن فيلق القدس لم ينقذ القدس منذ ما يقارب الأربعين عاما وجل رصاصه يوجهه في صدور العرب والمسلمين، كما الحشد في العراق والحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان الذي يريد الاستحواذ وتمرير الأجندة الإيرانية، متشفعا بحرب خاضها ضد الاحتلال، إلا أن الفرصة كانت مواتية من إعلان البحرين عضويتها في كوبنهاجن.
وفي البحرين، يظهر الملك بمظهر، حاول المنتفضون منذ 2011 إظهاره بها، وقد ثبتها على نفسه، للأسف، في سقطة سيتذكرها كثيرا، ويقف عليها كثيرا، ليكون درسا مفاده أنظر حولي قبل أن أتلقى التعليمات أو أخطو بدافع الحماية أو الدعم، فظني أن الخطوة ستدفع الناقمين على الحراك في البحرين للتضامن أو على الأقل التعاطف أو حتى الحياد، وهو ما يعد خسارة استراتيجية للنظام الحاكم في البحرين.
ومع كل ما تقدم يبقى الرهان على الشعوب التي لن تنسى شهداءها من المحيط للخليج والذين قدموا أروحهم من أجل هذه الأرض ووحدتها، ولن تترك الشعوب حلمها في وحدة عربية وإسلامية يخرج فيها المواطن من طنجة حتى يصل كوالالمبور ليوقفه حاجز ولا يمنعه احتلال إنه حل الاتحاد الإسلامي الذي زرع فيه الكيان المحتل بعناية في أهم بقعة جغرافية لعرقلة نشأته، كما أن المسلمين لن ينسوا يوما أقصاهم النازف فسيقدمون دماءهم ليبقى مسجدا موحدا.