في أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي نشر في يوليو/تموز الماضي، احتل العراق المركز الثاني عالميا للسنة الرابعة على التوالي بين أعلى الدول إحراقا للغاز الطبيعي، فما الأسباب التي تحول دون وقف بغداد لهذا النزف الكبير في طاقتها؟ وهل من خطط لتحسين الاستفادة منها؟
جاء العراق ثانيا بعد روسيا وتبعته الولايات المتحدة ثم إيران، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن العراق أحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب يحرق في الأجواء.
ليس هذا فحسب، بل إن كمية الغاز التي يحرقها العراق يوميا -وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية- تكفي لإمداد ما لا يقل عن 3 ملايين منزل بالطاقة الكهربائية التي يعاني العراقيون من شحها منذ سنوات.
أسباب عدة
وتتعدد الأسباب التي تدفع العراق لإحراق الغاز الطبيعي، وبحسب المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، فإن قطاع الغاز يعد معقدا جدا ويحتاج إلى تكنولوجيا حديثة ذات كلفة مرتفعة جدا.
وأشار جهاد إلى أن الغاز الطبيعي في العراق يقسم إلى نوعين: أولهما الغاز المصاحب للنفط، وهو ما يشكل الجزء الأكبر من الثروة الغازية في البلاد، والثاني الغاز الطبيعي الحر، ويتمثل في حقل عكاز بمحافظة الأنبار (غرب) وحقل سيبة في البصرة (جنوب) والمنصورية في ديالى (شرق).
وعزا جهاد ارتفاع نسبة إحراق الغاز في العراق إلى أن زيادة إنتاج النفط تتناسب طرديا مع ارتفاع إحراق الغاز المصاحب، أما السبب الآخر فيعود إلى أن الحروب التي شهدتها البلاد خلال العقود الأربعة الماضية أدت إلى تدمير منشآت استثمار الغاز المصاحب التي كانت قد بدأت في تشييدها في سبعينيات القرن الماضي.
وعن استثمار هذا الغاز المحترق، يؤكد جهاد للجزيرة نت أن العراق بدأ منذ فترة باستثمار الغاز المصاحب من خلال شركة شيل الهولندية التي تستخرج النفط في 4 حقول في البصرة، وبمعدل إنتاج يتراوح بين 900 مليون إلى مليار قدم مكعب قياسي في اليوم، وبخطة استثمارية ستصل عند اكتمال المشاريع إلى ألفي مليون متر مكعب قياسي يوميا.
كما يؤكد جهاد أن العراق -من خلال تعاقداته مع الشركات الأميركية والصينية وشركات أخرى- يطمح إلى استثمار جميع الغاز المصاحب بحلول عام 2025.
من جانبه، عزا الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطوان إحراق الغاز الطبيعي المصاحب إلى التقاعس والإهمال والفساد، وأكد في حديث للجزيرة نت أن العراق يحرق 50% من الغاز المصاحب دون أي استفادة منه.
خسائر فادحة
وبينما يدفع العراق مبالغ كبيرة في استيراد الغاز الطبيعي من إيران، فإنه يحرق 10 أضعاف الكميات التي يستوردها منها، وذلك بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وبهدر يصل إلى 2.5 مليار دولار سنويا.
اعلان
وأكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني على أن العراق يحرق غازا طبيعيا تقدر قيمته بـ18 مليون دولار يوميا، ولفت إلى أن احتياطات العراق من الغاز تؤهله لأن يكون الرابع على مستوى العالم.
وفي حديث للجزيرة نت، أشار المشهداني إلى أن العراق يستورد من إيران ما يقدر بأكثر من 850 ألف متر مكعب يوميا، في الوقت الذي يحرق فيه أكثر من 30 مليون متر مكعب يوميا، دون احتساب إحراق الغاز الحر.
ويشير أنطوان إلى أن العراق يستورد غازا إيرانيا لتوليد 3500 ميغاواط، وبمبالغ باهظة جدا تصل إلى 4.5 مليارات دولار سنويا، إذا ما احتسبت تكلفة الصادرات الإيرانية المباشرة من الكهرباء، وأن هذا المبلغ الكبير كان يمكن استثماره في بناء صناعة غازية متقدمة تكفي حاجة البلاد دون الاعتماد على الاستيراد.
النائب عن لجنة النفط والطاقة النيابية صادق السليطي، أكد أن العراق يخسر من خلال إحراق الغاز مبالغ أكبر من التي قدّرها معهد واشنطن، مشيرا إلى أن خسائره تصل إلى 5 مليارات دولار سنويا، فضلا عن تبذير ما يقرب من ملياري دولار في شراء الوقود السائل المشغل لمحطات توليد الكهرباء وذلك بسبب شح الغاز في البلاد.
ملف استيراد الغاز
أما النائبة عن لجنة الطاقة والنفط النيابية زيتون الدليمي، فترى أن جولات التراخيص النفطية للشركات الأجنبية منذ عام 2008 شملت استغلال الغاز المصاحب للنفط، إلا أن الحكومات المتتالية لم تفعل ما كان عليها تجاه تلك الشركات، وبالتالي استمرّ إحراق الغاز.
وتعلق النائبة -في حديث للجزيرة نت- بالقول إن "العراق لم يتبن سياسة طاقة حقيقية منذ عام 2003، خاصة أن الدورات البرلمانية السابقة لم تفلح جميعها في إقرار قانوني النفط والغاز والمصافي النفطية".
وعن استيراد العراق للغاز الإيراني، أكدت أن العراق يشتري الغاز الإيراني بـ4 أضعاف السعر الذي تطرحه دول أخرى، في إشارة إلى الفساد في ملف استيراد الغاز الإيراني، مؤكدة أن العراق مُكبّل إزاء ملف استيراد الغاز.
الغاز والكهرباء
وتتراوح كمية الإنتاج الكهربائي في العراق بين 18.5 و19 ألف ميغاواط، بحسب المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد العبادي، في حين تصل الحاجة الفعلية إلى 28 ألف ميغاواط.
وأشار العبادي إلى أن 85% من محطات توليد الكهرباء في البلاد تعتمد على الغاز والمشتقات المصاحبة، وأن العراق يستورد من إيران لتشغيل بعض محطاته ما يقدر بـ40 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا و1200 ميغاواط ككهرباء مباشرة، عبر شبكات الطاقة بين البلدين، وتبلغ الخسائر المالية التي يتكبدها العراق جراء إحراق الغاز نحو 290 ألف دولار (في الحد الأدنى) لكل ساعة.