يحيي الإسرائيليون هذه الأيام يوميات الانتفاضة الثانية التي عاشوها، لا سيما عشية تنفيذ العمليات الاستشهادية التي نفذتها الفصائل الفلسطينية، وقاد مقاتلوها زمام القيادة بالفعل، حتى شكلت أيامًا إسرائيلية سوداء، وربما أكثر الفترات فظاعة، حين بدأت الحافلات بالانفجار، وكذلك المطاعم والمقاهي، ولم تعد الحرب مع الفلسطينيين داخل الحدود، أو على أعتابها، بل دخلت إلى المنازل، وقلبت كل شيء.
يطلق الإسرائيليون على تلك الأحداث أوصافًا قاسية، حين خافوا من ركوب الحافلة، وارتعبوا من المرور بالسيارة بجانبها، أو الوقوف عند إشارة المرور خلفها، استغرق الأمر سنوات حتى تخلصوا من هذا الخوف، بسبب مشاهد الاستشهاديين والمفجرين في الحافلات والمطاعم والمقاهي والفنادق والحانات والنوادي، حين انتشر الخوف في كل مكان.
اليوم في الذكرى السنوية العشرين لاندلاع انتفاضة الأقصى بعد شهرين من فشل مؤتمر كامب ديفيد، لا زال الجدل الإسرائيلي والفلسطيني في ذروته: حول ما إذا كانت الانتفاضة عفوية، كتعبير عن غضب شعبي حقيقي، أم أن السلطة الفلسطينية ورئيسها وجهوها من فوق، وقادوها منذ اللحظة الأولى.
بجانب النقاش المشروع حول السبب المباشر لانطلاق انتفاضة الأقصى، يخرج جدل فلسطيني وإسرائيلي آخر حول طبيعتها: بين كونها تشبه الانتفاضة الأولى 1987، انتفاضة الحجارة، أو أنها جاءت بثوب جديد مختلف عن سابقتها، لأن أبرز سماتها استخدام الأسلحة النارية والعمليات الاستشهادية، وخاضتها جميع التنظيمات المسلحة، ممن ألقت نفسها في قلب المعركة، وشنت هجمات إطلاق نار في قطاع غزة والضفة الغربية، وتسللت للمستوطنات، وفي وقت لاحق أرسلت المفجرين لداخل الخط الأخضر.
بات واضحا بعد مرور أشهر على اندلاع الانتفاضة، أن "الجني قد خرج من القمقم"، فقد عرف الفلسطينيون كيف يبدؤون انتفاضتهم، لكنهم لم يعرفون كيف ينهونها، وخاطرت القيادة التقليدية فقدان السيطرة على عجلتها، لأنه عندما غرقت السلطة الفلسطينية بأحداث الانتفاضة، ودمرت "إسرائيل" مقار قواتها الأمنية، كان الأوان قد فات.
حماس من جهتها رأت أمراً رئيساً واحداً أمام عينها من الانتفاضة الثانية، على الأقل وفق التحليل الإسرائيلي، وهو أنها مصممة ألا يتم استغلال هذه الانتفاضة كسابقتها، وهكذا خرجت أقوى من الانتفاضة، وفي صيف 2005، انسحبت "إسرائيل" من غزة، وأخلت المستوطنات، واعتبرته حماس انتصارا واضحا لها.
يقدر الإسرائيليون أن حماس رأت في انسحابهم من غزة نجاحا، حيث فشلت السلطة طوال سنوات المفاوضات، وأجبرت "إسرائيل" على الهروب من غزة على وقع الهجمات المسلحة، لكنها لم تكمل هدفها الشامل، صحيح أنها استولت على غزة منذ قرابة عقد ونصف، لكن "الكرز" الحقيقي كان ولا يزال الضفة الغربية، رغم أنه بعد أقل من ستة أشهر، حصدت حماس فوائد هذه الرسالة عبر نجاحها في الانتخابات البرلمانية.