28.9°القدس
28.66°رام الله
27.75°الخليل
31.13°غزة
28.9° القدس
رام الله28.66°
الخليل27.75°
غزة31.13°
السبت 12 يوليو 2025
4.5جنيه إسترليني
4.7دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.89يورو
3.33دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.5
دينار أردني4.7
جنيه مصري0.07
يورو3.89
دولار أمريكي3.33

في تحوّل جذري..

لماذا يهرول عسكريو السودان نحو التطبيع مع "إسرائيل"؟

بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق التطبيع الإماراتي البحريني مع دولة الاحتلال بدأ القادة العسكريون السوادنيون تحركات حثيثة نحو اللحاق بقطار "إسرائيل"، رغم تأكيد قوى مدنية سوادنية رفضها أي تعامل مع دولة الاحتلال قبل حل القضية الفلسطينية.

وشهدت الشهور القليلة الأخيرة أنباء وتحركات سودانية إسرائيلية كثيرة نحو إقامة علاقات رسمية برعاية إماراتية، مقابل دعم مالي وسياسي للبلد الذي يواجه واقعاً مالياً وسياسياً صعباً.

وكشف مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الأربعاء (23 سبتمبر 2020)، عن مباحثات جرت بين الرئيس عبد الفتاح البرهان ومسؤولين أمريكيين استغرقت ثلاثة أيام في الإمارات، تناولت "مستقبل السلام العربي الإسرائيلي".

وجاء في البيان الذي أصدره المجلس أن "المباحثات اتسمت بالجدية والصراحة، وناقشت عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، والقيود التي تفرضها واشنطن على السودانيين".

وأشار البيان إلى أن المباحثات تناولت القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها "مستقبل السلام العربي الإسرائيلي الذي يقود إلى استقرار المنطقة ويحفظ حق الفلسطنيين في إقامة دولتهم وفقاً لرؤية حل الدولتين".

تأتي هذه المباحثات في وقت تواصل فيه الإدارة الأمريكية تأكيدها بشأن التحاق دول عربية أخرى باتفاق التطبيع الذي جرى توقيعه بين أبوظبي والمنامة و"تل أبيب"، منتصف الشهر الجاري.

ويعزز اتجاه السودان نحو اللحاق بركب التطبيع أن البرهان، الذي يسيطر على مقاليد الأمور منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، العام الماضي، أكثر قرباً من المحور الإماراتي السعودي.

وكانت الخارجية السودانية قد أعفت، في الـ19 من أغسطس الماضي، المتحدث باسمها السفير حيدر بدوي صادق من منصبه؛ على خلفية تصريحات قال فيها إن بلاده تتطلع لتطبيع علاقاتها مع "إسرائيل".

وتعلقياً على قرار إعفائه طالب بدوي رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء باحترام الشعب وكشف ما يدور في الخفاء بشأن العلاقة مع دولة الاحتلال.

البرهان في مواجهة المدنيين

وبعد شهر واحد من هذه الخطوة قال مسؤول حكومي سوداني بارز لشبكة "الجزيرة"، في الـ21 من سبتمبر الجاري، إن التطبيع بين الخرطوم و"تل أبيب" مسألة وقت، مشيراً إلى أن خطواته الآن أسرع ليكون ذا قيمة".

وسبق أن التقى البرهان برئيس وزارء الاحتلال بنيامين نتنياهو، في العاصمة الأوغندية كمبالا، في فبراير الماضي، وهو ما أدخل أطراف الحكومة الانتقالية (رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة) في مشادات وحالة إنكار.

وعلّق البرهان على لقائه بنتنياهو قائلاً إنه جرى في إطار بحث السودان عن مصالحه الوطنية والأمنية. وفي الشهر ذاته عبرت طائرة إسرائيلية لأول مرة الأجواء السودانية بأوامر من البرهان.

وردّاً على هذه التصريحات قال حزب "الأمة القومي" السوداني إن البلاد تعيش الآن فترة انتقالية، وإن البت في المسائل الوطنية الخلافية (التطبيع) هو من صميم اختصاص الحكومات الوطنية المنتخبة.

وأضاف الحزب في بيان: "لم تزل إسرائيل محتلة لأراضٍ عربية، ولم يتم التوصل إلى أي شكل من أشكال التسوية النهائية بشأنها مع الفلسطينيين، وأية علاقة مع إسرائيل في ظل عدم استرداد الأراضي العربية المحتلة في تسوية مقبولة والتزام بقرارات الشرعية الدولية لا مبرر لها".

ويرى خبراء ومسؤولون سودانيون أن تحرك البرهان نحو تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال يأتي من كونه لا يقع تحت ضغط قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة، المختلفة حول القضية.

لا أحد يملك تفويضاً

وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، لدى زيارته الخرطوم الشهر الماضي، أن حكومته لا تملك تفويضاً للتطبيع مع "إسرائيل".

ودعا حمدوك الإدارة الأمريكية إلى ضرورة الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع.

وكان رئيس الوزراء السوداني قال إنه بحث موضوع إدراج بلاده من جانب الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال زيارته إلى الخرطوم، أغسطس الماضي، لكنه لم يتطرق لمسألة التطبيع.

وتحاط مسألة التطبيع في السودان بحرج بالغ، في ظل تعنت قوى تقليدية (مدنية) تجاه الخطوة، على رأسها حزب الأمة القومي، فضلاً عن رفض الحزب الشيوعي وأحزاب البعث للتطبيع من الأساس.

ومن المتوقع أن تسفر مشاورات البرهان بأبوظبي عن تطبيع يبدأ بتبادل القنصلين، ثم السفيرين، وهو ما يقود لاندماج السودان في المجتمع الدولي، بحسب "الجزيرة".

ثمن التطبيع

وخرجت تسريبات بشأن طلب البرهان 10 مليارات دولار لإتمام صفقة التطبيع، في حين تحدثت تقارير عن دعم اقتصادي في حدود 3.2 مليارات دولار، لكن مسؤولاً بالحكومة قال لـ"الجزيرة" إن الحديث يدور حول 8 مليارات دولار طلبت الحكومة الانتقالية توفيرها لدى توليها مقاليد الأمور لإنهاء الأزمة الاقتصادية.

لكن وزير الإعلام، المتحدث باسم الحكومة السودانية الانتقالية، فيصل محمد صالح، نفى مناقشة وفد بلاده، الذي يزور الإمارات حالياً، قضية التطبيع مع "إسرائيل".

وقال صالح، الاثنين (21 سبتمبر): إن "الوفد لا يحمل تفويضاً لمناقشة التطبيع مع إسرائيل"، مؤكداً أن "موقف بلاده ثابت حيال التطبيع مع إسرائيل، وأن هذه الأمور من مهام الحكومة المنتخبة".
وأوضح صالح أن الوفد الموجود في الإمارات "مخول ببحث رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مع فريق الإدارة الأمريكية المتواجد هناك".

تحولات جذرية

وشهد السودان تحولاً سياسياً جذرياً منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، استناداً لاحتجاجات شعبية عارمة ضده، حيث أصبحت الخرطوم في ظل تحكم القادة العسكريين بمقاليد الأمور أقرب إلى التحالف الإماراتي السعودي، وأكثر تماشياً مع أجنداته السياسية بالمنطقة.

وخلال الشهور الماضية، تواترت تقارير بشأن لعب الإمارات دور الوسيط لخلق علاقات بين دولة الاحتلال وقوى سياسية في عدد من البلدان العربية؛ منها مجلس السيادة في السودان، والمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، بالإضافة إلى اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا.

ويراد من المفاوضات التي بدأت في أبوظبي بين مسؤولين سودانيين وأمريكيين وإماراتيين وضع السودان أمام الأمر الواقع، كما يقول حيدر الصافي، عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والقيادي في الحزب الجمهوري.

وقال الصافي في حوار لـ"الجزيرة" إن قضية التطبيع داخل قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) لا تخلو من خلاف، مشيراً إلى أن هذا التحالف "يريد أن يكون التفاوض مع إسرائيل مباشرة وبلا وسطاء وتحت الضوء وليس في الخفاء؛ بمعنى ألا يكون الحوار سرياً".

وتابع: "لا نريد سماع صوت الإمارات، بل نريد سماع صوت السودان"، مضيفاً: "هذه المفاوضات يجب أن تكون بعيدة عن أي مساومات عربية أو إسلامية أو أي مسميات عابرة للحدود".

وأدى كوريا دوراً في صياغة اتفاق التطبيع بين "إسرائيل" والإمارات، كما يتولى طحنون بن زايد ملف المحادثات مع "إسرائيل".

السعي للتطبيع

ولكون مجلس السيادة يعتبر شرفياً يُطرح تساؤل هنا مفاده: كيف لمجلس شرفي أن يتحرك بقوة في ملفات مصيرية كهذه؟

في هذا الخصوص يقول المحلل السياسي السوداني وائل سلامة إن هناك ما يجعل العسكريين "يسعون سعياً حثيثاً للتطبيع مع إسرائيل أكثر من الشق المدني"، معرباً عن اعتقاده بوجود إيعاز من دول "مثل الإمارات بأن التطبيع سيكون حلاً للسودان، وأن التطبيع يفك الاختناق الذي تعانيه البيئة الاقتصادية السودانية".

ووفق المحلل السياسي السوداني فإن "تحركات العسكريين حالياً لا يمكن معرفة أهدافها، لكن الواضح أنهم يسعون لتقديم شيء ما".

ويرى أن "قصة السلام هذه طرحت فيها ملفات كثيرة داخلية"، مشيراً إلى أن من بين هذه الملفات "الإغاثة والفيضانات"، مشيراً إلى أنه "توجد إعادة في مفهوم  المؤسسة العسكرية وهناك تفاصيل داخلية".

وجود القادة في السلطة بالسودان جاء على خلفية اتفاقية السلام، يقول سلامة، لكنه يشير إلى أنه من غير المعلوم المدى الذي يريدون أن يكونوا موجودين فيه على سدة الحكم.

وبحسب قوله فإن "الكلام عن أن إسرائيل قد تدعم الجانب العسكري أكثر من الجانب المدني هذا كلام غير صحيح؛ لأن الجانب العسكري موجود بسبب المجلس السيادي وهو جهة تشريفية".

وتابع: "الجانب المدني فيه أحزاب ومنظمات وطوائف دينية، وهؤلاء وجهة نظرهم مختلفة".

ويشير سلامة إلى أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك "لا يعتقد أن القصة لها علاقة بالتطبيع، إنما لها علاقة برفع العقوبات وإزالة السودان من قائمة الإرهاب، ويعتقد أنها مكاسب".

وأضاف أن من بين المكاسب بحسب ما يراه حمدوك "تصحيح العلاقة مع الغرب، ودخول السودان في الأسرة الدولية لأنه الآن في عزلة، وهناك مشكلة في التدفقات المالية والاستثمار والأمور التي تصب في هذا الاتجاه".

ولحمدوك -يقول سلامة- نفوذ بحكم الجناح العسكري، وجزء منه موجود بحكم التعلق بملفات السلام والحرب، لافتاً النظر إلى أن رئيس الوزراء "بعث جزءاً من حكومته للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية، من ضمنها وزير العدل نفسه".

وكالات