لا تكتفي "إسرائيل" بتوقيع اتفاقيات السلام مع دول الخليج الأخيرة، بل إنها شرعت منذ فترة، بالعمل على تغيير الصورة النمطية المأخوذة عنها، كدولة احتلال واستعمار ونهب واستيطان، من خلال برامج عمل تطبيعية، وللأسف الشديد بتمويل عربي إماراتي صرف!
الحدث يدور عن برنامج "ناس ديلي"، ذو الانتشار الواسع على فيسبوك، الهادف لتدريب صانعي المحتوى العربي عبر "أكاديمية ناس"، التي تضمّ إسرائيليين من ضمن طاقم الإشراف والتدريب الذي يرأسه الإسرائيلي "جوناثان بيليك"، بتمويل أكاديمية "نيو ميديا" الإماراتية، التي أنشأها حاكم إمارة دبي، محمد بن راشد، قبل شهرين، مما يشكل تواطؤًا صريحًا في جهود تسويق الاحتلال الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية، واعتبار "إسرائيل" كيانًا طبيعيًا في المنطقة.
يدير البرنامج "نصير ياسين"، شاب من فلسطينيي الـ48، الذي اتهمته اللجنة الوطنية لحركة المقاطعة "بي دي أس" بأنه "غارق في التطبيع الناعم، عبر انتزاع دولة الاحتلال من سياقها الحقيقي، وطبيعتها القائمة على الإجرام والتطهير العرقي، وبذلك يخدم مساعيها لفرض نفسها ككيان طبيعي في المنطقة، عبر مد جسور التطبيع الرسمي وغير الرسمي، بما يشمل الإعلامي والتأثير على الرأي العام".
خطورة هذه الحملة التطبيعيّة أنها تسعى لتسويق صورة "إسرائيل" النمطية بعيدا عن حقيقتها ككيان احتلالي، بل تكتفي بترويج فيديوهات بدون محتوى سياسي، وتعمل على دمجها على أنها كيان طبيعي في المنطقة، من خلال استقطاب الفئات الشبابية عبر محتوى خطير، منطلقة من مسألة اختلاف الآراء والثقافات، ليس أكثر، متجاهلة في ذلك الحقوق الفلسطينية، واعتبار الفلسطينيين متساوين مع الإسرائيليين.
العديد من صناع المحتوى الفلسطينيين والعرب اتخذوا موقفا أخلاقيا ومبدئيا، ورافضا للتطبيع، وانسحبوا من البرنامج، من مدربين ومتدربين على حد سواء، وأخذوا على عاتقهم فضحه عبر منصات التواصل، حيث لديهم عشرات آلاف المتابعين، وأظهروا خطورة التطبيع الثقافي والإعلامي، مما جعلهم هدفا خبيثا لتلك الأكاديمية الإماراتية، ومن يقف خلفها، بوصف كل من انسحب بأنه "عربي فاشل".
تسعى الأكاديمية الممولة إماراتياً لاستقطاب قرابة 80 صانع محتوى من الشباب الفلسطيني والعربي، يشرف عليهم مشرفون إسرائيليون، بتمويل إماراتي صريح، مما يعني تورطا إماراتيا في سياسة ممنهجة لإلغاء العداء التاريخي تجاه "إسرائيل"، وتحويلها دولة متطورة تستخدم تقنيات عالية المستوى، بعيدا عن تاريخها المعادي للشعب الفلسطيني.
يحاول برنامج "ناس ديلي" من خلال محتواه تصوير الصراع مع العدو الإسرائيلي، وكأنه صراع بين طرفين متكافئي القوة، متعمدا تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة، بل وصل تطبيعه إلى حد تحميل الفلسطيني مسؤولية الصراع؛ لعدم قبوله بالسلام الإسرائيلي- الأمريكي المزعوم، بعيدا عن جرائم "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني، والعداء التاريخي معها كنظام استعماري وعنصري.