في غمرة خروج السطور التالية إلى حيز النشر، لا يستطيع أحد أن يجزم بمآلات ذهاب التصعيد الإسرائيلي إلى نهاياته، لاسيما وأن ضرباتها في الساعات الأخيرة باستهداف المدنيين الفلسطينيين بصورة مباشرة تمثل تحولاً خطيراً، كما أن نمط المصادمات غير المنتظمة عقب حرب "الرصاص المصبوب" أفسح المجال لتبادل النيران على مدار فترات طويلة تتخللها فترات هدوء قصيرة للغاية، ورغم أن أياً من (إسرائيل) وحماس لا يريد تصعيد الموقف إلى مواجهة كبرى، إلا أن الأمور قد تخرج في النهاية عن نطاق السيطرة مع تصعيد الجانبين للفعل ورد الفعل. في ذات الوقت، تسود (إسرائيل) قناعات غير مؤكدة بأن حماس يقع على عاتقها مسؤوليات داخلية وخارجية باعتبارها حكومة قطاع غزة، وإن آثار عملية "الرصاص المصبوب" لا تزال ماثلة في الأذهان، كما أن مصر تضغط عليها من أجل ضبط النفس واحتواء أي تصعيد إسرائيلي متوقع، خاصة وقد أصبحت أكثر اعتماداً على القاهرة، ومن ثم فإنها تتوخى مزيداً من الحذر لئلا تقوض علاقتها معها. علاوة على ذلك، ترى حماس أنها على وشك أن تكسر العزلة المفروضة عليها، والمأزق الاقتصادي الذي تعاني منه بمساعدة مظلة حامية تقدمها مصر وقطر وتركيا، فيما حماس مطمئنة إلى فكرة أن هذه الحماية قد تُعقد تردد (إسرائيل) في تصعيد الأوضاع، والدخول في أتون عملية "رصاص مصبوب" ثانية. في ذات السياق، فإن كلا من حماس و(إسرائيل) تناوران بين هذه الضغوط المتضاربة، وتلعبان لعبة معقدة ومحفوفة بالمخاطر تضعهما على حافة الهاوية، وبعد مرور أربعة أعوام تقريباً على عملية "الرصاص المصبوب"، بات واضحاً للإسرائيليين أن قدرتهم على الردع في غزة تتآكل، فالصواريخ والقذائف التي تتساقط يومياً على جنوب (إسرائيل)، دفعت مئات آلاف الإسرائيليين إلى الاختباء في الملاجئ، مما شكل ضغطاً على الحكومة لكي تتخذ إجراء أقوى ضد حماس. أكثر من ذلك، فإن التقديرات الأولية للجيش الإسرائيلي تشير إلى أن الفلسطينيين يحاولون تنفيذ عمليات نوعية في الآونة الأخيرة، مما دفع برئيس أركانه وقائد المنطقة الجنوبية، لإجراء تقييم للأوضاع الأمنية قرب الحدود مع القطاع، وتحميل حماس المسؤولية عن تدهور الوضع الميداني هناك، والتهديد بأن (إسرائيل) تدرس جدّياً سبل وأوان الرد على هذه العمليات، كونها بالغة الخطورة. وبناءً على ذلك، صعّدت القوات الإسرائيلية من هجماتها الجوية المحددة ضد أهداف مختلفة في غزة، في محاولة لإجبار حماس على فرض وقف إطلاق النار على الجماعات القتالية الأخرى، بيد أنه، نظراً للديناميات الداخلية في غزة، فإن هذه الجهود لم تُؤت ثمارها بعد، كما أن (إسرائيل) عززت من دفاعاتها الإيجابية والسلبية مع إدخال نظام بطاريات "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ، وبناء ملاجئ إضافية، لكن هذه التدابير غير كافية لمجابهة التحدي المتزايد. كما أنه من اليقين أن (إسرائيل) لديها أسباب استراتيجية قوية لتجنب اندلاع مواجهة كبرى في قطاع غزة، لأن عليها اتخاذ قرار حول إيران في العام المقبل، فضلاً عن أنها تواجه حالة كبيرة من عدم اليقين على طول حدودها مع سوريا ولبنان، وهي قبل ذلك وبعده تتوخى الحذر بألا تتزعزع علاقاتها الحساسة جداً مع مصر، وهو الوضع الذي سيتحقق في حالة قيام (إسرائيل) بغزو غزة على سبيل المثال. ورغم أن الانتخابات الإسرائيلية القادمة في أواخر كانون الثاني/يناير تشجع على اتخاذ ردود قوية وقاسية في غزة، إلا أنها تحول دون التصعيد الشامل، ورغم ذلك، فإذا لم تتمكن (إسرائيل) من وقف الاتجاه الحالي، أو إذا تسببت نيران الصواريخ في وقوع أضرار بدنية أو نفسية لا تُحتمل، مثل شن هجوم دام على إحدى المدارس، فستجد (إسرائيل) نفسها مرغمة على شن عملية واسعة النطاق في غزة. وبالتالي فإن وصول الوضع في غزة لأن يكون ملتهبا، بفعل قيام حماس والجماعات المسلحة الأخرى و(إسرائيل) بإشعال النيران في براميل البارود، فإن ذلك يتطلب جهوداً فورية للحيلولة دون وقوع تصعيد غير مبرر، وهنا يقدر بعض الخبراء في (إسرائيل) ضرورة أن تفهم حماس أنها تسيء تقدير استعدادها لمواصلة التعرض للنيران، وأن تُدرك أنها ستواجه تبعات غير مرغوبة إلى الحد الذي قد تفقد معه سيطرتها على غزة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.