أعاب الأمير بندر بن سلطان على القائد الفلسطيني الحاج أمين الحسيني رفضه قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1947، وبهذا الهجوم على التاريخ الفلسطيني يكون السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة الأمريكية قد تجاهل الحقائق التي تحاول "إسرائيل" طمسها، التي تتمثل باغتصاب العصابات اليهودية أرضَ فلسطين بقوة السلاح سنة 1948، تلك الحرب التي ارتقى فيها شهداء عرب من سبع دول دفاعاً عن فلسطين، ومنهم شهداء من السعودية نفسها، شهداء قدموا أرواحهم اقتناعاً بأن ضياع فلسطين يعني ضياع مستقبل هذه الأمة.
تصريحات الأمير بندر المنافية للواقع التقطها أحد الصحفيين الإسرائيليين، واعتبرها وثيقة تاريخية تخدم الادعاء الصهيوني القائل إن يد إسرائيل كانت ممدودة للسلام، حتى من قبل قيام دولتهم، وإن يد الفلسطينيين لا تعرف إلا التخريب، وإنهم أضاعوا فرص السلام التي وفرتها لهم إسرائيل، لذلك طالب الصحفي الإسرائيلي "باروخ يديد" في مقابلة مع القناة 20 العبرية بتدريس حديث الأمير بندر بن سلطان في المدارس الإسرائيلية، بصفته حجة على التاريخ الذي راهن فيه الفلسطينيون على الخيارات الخاسرة.
ضمن هذا السرد التاريخي المغلوط، فإن من واجبنا نحن الفلسطينيين أن نشرح معادلة الصراع من جديد، وأن ننقل مفهوم الاغتصاب للأرض العربية في تلك الفترة؛ مقارنة بالوضع الراهن، وذلك كي تعيش الجماهير العربية واقع الحياة على أرض فلسطين زمن قرار التقسيم الصادر سنة 1948، وتقارنه بالزمن الراهن، وللجماهير الحكم؛ وهل كان رفض قرار التقسيم صائباً أم كان تفويت فرصة، كما وصفه بندر بن سلمان؟ وهل من مصلحتنا الندم لرفض القرار، أم من واجبنا التمسك بالمبدأ الذي من أجله كان رفض قرار التقسيم؟
تعالوا لنجد القاسم المشترك بين رفض العرب لقرار التقسيم في ذلك الزمن وبين رفض الفلسطينيين والعرب لصفقة القرن في الزمن الراهن، وأقول:
لنفترض أن الأمم المتحدة قد أصدرت قراراً هذه الأيام بتقسيم الضفة الغربية بين الفلسطينيين العرب وبين الإسرائيليين، فهل يقبل عاقل عربي بذلك؟ وكيف يقبل عربي أن يتنازل عن نصف الضفة الغربية التي احتلها الصهاينة قبل عشرات السنين بقوة السلاح؟
المشابهة كبيرة بين حال الضفة الغربية هذه الأيام وحال فلسطين في تلك الأيام، وهذا ما تتحدث عنه الأرقام، وما تسرده الحقائق.
ففي سنة 1947 كان عدد اليهود في فلسطين لا يتجاوز 600 ألف يهودي، لقد كانوا أقل عدداً من الفلسطينيين في ذلك الوقت، ولا يسيطرون إلا على ما نسبته 6% من أرض فلسطين.
وفي سنة 2020 بلغ عدد اليهود المستوطنين للضفة الغربية 800 ألف مستوطن، وما زالوا أقل عدداً من الفلسطينيين، وهم يسيطرون فعلياً على نسبة لا تتجاوز 9% من أراضي الضفة الغربية، وباقي المساحات طرق التفافية، ومواقع عسكرية للجيش.
فهل يقبل أي عربي بقرار تقسيم يصدر عن الأمم المتحدة هذه الأيام يقضي بتقسيم الضفة الغربية بين دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية؟
هل يقبل عربي أن يتخلى عن نصف الضفة الغربية للمستوطنين مقابل دولة لا تمتلك مقومات الحياة؟
لا أظن عاقلاً أو فاجراً يقبل بقرار تقسيم الضفة الغربية، وهكذا الحال سنة 1947، وهذا ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار حين نناقش أسباب رفض العرب والفلسطينيين لقرار التقسيم، فكيف يوافق على تقسيم فلسطين صاحب الأرض، ومالكها؟ وكيف يُعطي لمغتصب غازٍ نصف وطنه، ويرتضي الحياة الذليلة في النصف الآخر؟
كان يجب على بندر بن سلطان وأمثاله ممن يشوهون التاريخ العربي أن يناقش قرار التقسيم وفق ذلك الزمن، لا وفق نتائج الحروب التي هزمت فيها الجيوش العربية والقيادات العربية معاً، وعلى رأس المهزومين في ذلك الوقت القيادة السعودية نفسها؛ التي شاركت في حرب 1948، مع التقدير والاعتزاز للجيش العربي السعودي الذي شارك شباب العرب في الدفاع عن أرض فلسطين العربية.
لقد رفض العرب مجتمعين قرار التقسيم، ولكنهم لم يعدوا أنفسهم لما بعد الرفض، في الوقت الذي سخرت فيه بريطانيا العظمى كل قدراتها القتالية لصالح العصابات اليهودية التي اغتصبت أرض فلسطين كلها، وشردت أهلها على مسمع ومرأى من القيادات العربية.
درْس التاريخ الذي قدمه رجل المخابرات السعودية السابق غير أخلاقي، ويتنافى مع روح الإسلام، ومع العزف على مصالح الأمة العربية، وإذا كان يصلح لتلاميذ المدارس في "إسرائيل"، فذلك من باب تزييف الحقائق والتدليس، ومن منطلق الغدر الذي تميز به أعداء الأمة العربية.