لا يُخفي الإسرائيليون غضبهم من المتديّنين الحريديم؛ لأنهم فتحوا مؤسساتهم التعليمية رغم ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا، بما يتعارض مع تعليمات الحكومة، مما تسبب بصداع لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لأنه لا يجرؤ على مواجهة حاخاماتهم الذين يأمرون بفتح مدارسهم الدينية رغم أنف قراراته، فيما يتم إجبار مليوني طالب إسرائيلي على قضاء شهر كامل في منازلهم لمنع انتشار الموجة الثانية من الوباء.
اللافت أنه عندما ناشد نتنياهو ممثلي الحاخامات بضرورة الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة، أُبلغ أنهم يتلقون الأوامر من الحاخامات فقط، مما يجسد فك ارتباط القطاع الديني المتشدد، وعزله عن السياسة الإسرائيلية الرسمية، مما يزيد التقديرات بشأن تحالف نتنياهو الوثيق مع المتدينين الذي سيؤذيه الآن، وفي الانتخابات.
يؤكد الانطباع الإسرائيلي السائد أن نتنياهو لا يتعامل مع المتدينين بالقوة الكافية، ولذلك يزداد الغضب العام تجاه المجتمع الديني لأنه يشكل بؤرة أساسية ومباشرة لتنامي معدلات العدوى، فمعظم المدن في المناطق الحمراء دينية متشددة، وقد يعزى انتشار الفيروس مباشرة لانتهاك الأوامر الرسمية عبر الصلوات العامة.
يدرك نتنياهو أن خضوعه للمتدينين المتطرفين يضره، لهذا قضى الأيام القليلة الماضية في دعوتهم لاتباع التعليمات، وحذر من خطوات سيفرضها، لكنه تهديد فارغ، فرئيس الوزراء عالق في فخ قاس، إذا اتخذ خطوات ضد الحريديم، فسيفقد دعمهم، ومن دون هذا الدعم، لن يقدر على الاستمرار في منصبه كرئيس للوزراء، خاصة أن لديه محاكمة جنائية بتهمة الرشوة، وإذا استسلم لهم، فسيخسر قطاعات كبيرة من ناخبيه.
في حين أنَّ العلمانيين في "إسرائيل"، وأجزاء كبيرة من المتدينين التقليديين، لا يتعاطفون مع الحاخامات وأتباعهم، لأنه نفد صبرهم، وأعادت أزمة كورونا الفوارق القديمة التي يتم بها تقاسم أعباء المواطنة بين المجتمعات الدينية والعلمانية داخل "إسرائيل" مرة أخرى لواجهة الخطاب العام، بما فيها القضايا الساخنة كالخدمة العسكرية، وتلقي رواتب حكومية.
وفيما أعلن أصحاب الأعمال الإسرائيليين إفلاسهم بسبب الإغلاق والمراسيم الحكومية لمواجهة كورونا، فإن قطاعا واحدا من الإسرائيليين، هم الحريديم المتدينون، يتصرفون باستقلالية كاملة عن دولة الاحتلال، وبدعم من رئيس الوزراء، وأظهرت كورونا كيفية نجاح 12٪ من الإسرائيليين ممارستهم الاستيلاء العدائي على الآخرين دون معارضة.
يدرك خصوم نتنياهو السياسيين أن هذه نقطة ضعفه المؤلمة، لذلك يواصلون مهاجمته بشأنها، وطوال الوقت، يعلم الجمهور الإسرائيلي عن المزيد من انتهاكات المدن والبلدات الدينية المتطرفة لتعليمات الحكومة، ويمكن سماع الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو، ويزعمون أن الحاخامات هم حكامهم الفعليون، وليس هو!
الخلاصة أنه إذا سقط نتنياهو، فقد يجد الحريديم أنفسهم خارج الحكومة، لكن المشكلة أنهم محتجزون من قواعدهم الحزبية، مما يظهرهم وكأنهم وقعوا في فخ قد يتسبب في انهيار تحالف نتنياهو معهم، ودفنه معهم تحت أنقاضه!