تتزايد التقديرات الإسرائيلية أنه بعد 25 عاما من اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين، يتنامى انقسام المجتمع الإسرائيلي أكثر من أي وقت مضى، ووصل التحريض الداخلي آفاقًا جديدة، لأن الزمن الذي تلا الاغتيال من أكثر الأوقات دراماتيكية في تاريخهم، وعندما نُقل رابين للمستشفى بحالة حرجة، تأملوا في شيئين: أن يعيش رابين، وألا يكون مطلق النار يهوديًا، لكن كل الآمال تبددت.
اليوم مع إحياء الذكرى السنوية الجديدة لمقتل رابين، لم يعد اليمين الإسرائيلي يهتم بأي ذريعة، ولم يعتذر قط عن تحريض الليكود والأحزاب الأخرى التي أدت للاغتيال، رغم تأكيد الشرطة أن هذه الأيام تذكرها بما سبق ذلك الحدث الجلل، فالكراهية والانقسام في الشوارع الإسرائيلية أخطر مما كان عليه آنذاك، وأجراس الإنذار تدق، وتحذر من اغتيال آخر، والليكوديون يتجولون بقمصان عليها عبارة "اليساريون خونة"، وغرد نجل نتنياهو ضد المدعي العام، واتهمه بأنه "سيئ مثل إيران".
عشية اغتيال رابين، انقسم الإسرائيليون بين يسار ويمين، بين مؤيدي رابين وعملية أوسلو التي قادها، وبين معارضيه الذين اعتبروا تسليم الأراضي للفلسطينيين خطيئة لا تغتفر ضد التوراة، كان الجو مشحونًا، والإسرائيليون تمزقوا بين القطبين، وبهذا المعنى، فإن المناخ الحالي أسوأ بكثير، لأن عملية التفكك الداخلي تتسارع بشكل كبير، ولم يعد الانقسام بين اليسار واليمين، بل بين من يحتقر نتنياهو، ومن يعشقونه.
نصف الإسرائيليين يقفون وراء نتنياهو، والنصف الآخر يرونه قوة مدمرة، وتهديدا وجوديا حقيقيا لمستقبل "إسرائيل"، ولا أحد من الجانبين مستعد للتزحزح، لأن الجمع بين هذا التعنت والتحريض المرير من نتنياهو ورفاقه ضد سلطات القانون، الممزوج بالأزمة الاقتصادية العميقة، وحزم الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء إسرائيل، يجعل الأمور كلها مهيأة للانفجار، ولم يعد المطلوب سوى شرارة لإشعال الحريق.
ساهم الشعار المناهض لنتنياهو بعبارة "اذهب"، بتأجيج الاحتجاجات في جميع أنحاء "إسرائيل"، لأن معظم العنف الإسرائيلي ينبع من أتباع رئيس الوزراء، من خلال محاولات دهس المتظاهرين، وإطلاق الغاز المسيل للدموع، ورذاذ الفلفل، ورشق الحجارة، والاشتباكات بين الحين والآخر، ولذلك فإن الهواء مليء بأبخرة قابلة للاحتراق، فقط بانتظار شخص ما لرمي عود ثقاب.
الخلاصة أن الأجواء الإسرائيلية تشهد باقتراب اغتيال سياسي آخر، صحيح أن المادة اللاصقة التي تربط "القبائل" الإسرائيلية المختلفة بأمة واحدة، لم تعد قائمة مثل قبل، ورغم أن نتنياهو نفسه محمي بشكل جيد من أجهزة الأمن، كدرس من اغتيال رابين، لكن الخطر الأكبر يكمن في المظاهرات والشوارع، مما يؤكد أن فرص محاولة استهداف أحد ما في "إسرائيل" باتت تتزايد، والمنحدر الذي تجد نفسها عليه أصبح منزلقًا أكثر من أي وقت مضى، والفرامل تتناقص.