عطلة رسمية في قطاع غزة والضفة الغربية بمناسبة الذكرى الـ32 لإعلان الاستقلال، وقيام دولة فلسطين، ولعمرك إن هذه الإجازة تعبير عن سخرية القيادة من قضية فلسطين وشعبها، فمن العار أن نحتفل بذكرى الاستقلال دون استقلال، وأن نحتقل بذكرى قيام دولة دون دولة، إن هذا العرس الذي تغيب عنه العروس استخفاف بالعقل الجمعي الفلسطيني، واحتقار للقدرات، واعتراف بالعجز عن تحقيق أدنى الشعارات التي رفعت على مدار السنين.
عيد الاستقلال وإعلان الدولة الذي فرحنا به سنة 1988، ورقصنا له خلف الأسوار، عيد الاستقلال هذا كانت له معانيه في أثناء انتفاضة الحجارة، وكان ينبئ بخطوات فلسطينية سياسية قد تكون معقولة في حينه، وهي تعبر عن أفعال ميدانية تتمثل بانتفاضة الحجارة، ولكن أن يظل ذلك التاريخ حتى 15/11/2020 معلماً من معالم النصر، وتاريخا نرقص له، ونعزف له على كمنجة الوهم، ونحتفل فيه كأنه تحقق فهذا هبل سياسي، وعجز قيادي، يجب ألا يمر دون محاسبة، ومراجعة مسيرة، والإجابة عن أسئلة الشعب: أين أخطأنا؟ وأين أصبنا؟ ولماذا عجزنا عن تحقيق الدولة؟ وأين فشلنا؟ ولماذا؟ ولماذا لم نراجع خطواتنا وقراراتنا كل تلك السنين؟
إن قمة المأساة السياسية الفلسطينية لا تقف عند حدود الاحتفالات الكاذبة بالاستقلال، والهتافات المخادعة بذكرى قيام الدولة، المأساة تتمثل في تزييف التاريخ الفلسطيني، ففي الوقت الذي صار الرقص بقيام الدولة واجبا رسميا، تم مسح تلافيف الذاكرة الفلسطينية من فعاليات يوم النكبة، 15/5/1948، وهي ذكرى يجب ألا تموت من البرنامج الوطني، وكان يجب ألا تمر دون مواجهات ومظاهرات، إن ذكرى النكبة أحق من ذكرى الاستقلال بالإحياء، وذكرى وعد بلفور أحق من ذكرى الاستقلال بتذكير العالم بمعاناة شعب يرفض أن يموت، شعب يرفض أن يشارك في الفرح الكاذب بالاستقلال، وهو يعاني من ويلات المحتلين، لقد مرت ذكرى وعد بلفور دون مواجهات، ودون صرخة شعب يأبى أن يضمد جراح ذاكرته بالبيان الصادر عن بعض التنظيمات، في الوقت الذي تجاهلت ذكرى وعد بلفور الحكومة والقيادة.
المناسبات الوطنية ليست للبكاء، ولا هي للرقص والغناء، المناسبات الوطنية تحاكي ذاكرة شعب، يوثقها من خلال الفعل على الأرض، وقبل كل ذلك هي مصداقية الرؤية السياسية التي تعرف أين تتجه، وماذا تريد، ودون ذلك فالرقص في ذكرى الاستقلال إهدار للتضحيات، وذبح للوقت الذي تشيد فيه (إسرائيل) المستوطنات، بينما تشيد قيادتنا الشعارات، وتتفنن في ترديد الهتافات، دون أن نجسد ذلك فعلاً على الأرض.
في يوم الاستقلال، في يوم قيام الدولة، سيتوجه بعض الدجالين برسائل إلى القيادة الفلسطينية، يقولون فيها: مبارك لقيادتنا النصر، ونبارك لكم إعلان قيام الدولة، ومبارك عليكم الاستقلال؛ الذي تحقق على الورق سنة 1988، فما أجمل دولتنا! وما أعظم استقلالنا! وما أفطن قيادتنا!