أُعلنت التهدئة، وخرج كل قوم بما لديهم فرحون. فإسرائيل صاحبة التكنولوجيا المتطورة والجيش الأخلاقي الذي لا يقهر أعلنت انتصارها على المقاومة الفلسطينية بطريقة سينمائية بحتة، وحُق لها أن تفعل، فإسرائيل خاضت معركة غير عادية، انتصرت فيها بكافة المقاييس. لقد انتصرت (إسرائيل) لأن جيشها الأخلاقي لم يتورع عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، كما جرى مع عائلة الدلو وحجازي وأبو كميل وعسلية، لأن أبجديات المعركة لديه لا تعرف الانهزام. ولأن أخلاقيات الحرب لدى أبناء الرب تسمح بقصف المشافي وسيارات الإسعاف والدفاع المدني. في حين أن فصائل المقاومة الفلسطينية – الغير أخلاقية – اكتفت بضرب المؤسسات والمقرات والمواقع العسكرية الإسرائيلية. انتصرت (إسرائيل) لأنها لم تكتفي بقتل الأبرياء فقط، بل عملت بكل ما أوتيت من قوة على إخماد صوت الحق والحرية والعدالة، فاستهدفت الصحفيين ومقراتهم، وأضرمت النيران في كل المؤسسات الإعلامية وصولاً إلى برج الصحفيين بحي الرمال في غزة. الأمر الذي جعل من الصحافة التي كفلت حمايتها كافة الأعراف والمقاليد الدولية مهنة غير شريفة تندرج تحت إطار معاداة السامية لأنها تبث من غزة المكلومة. انتصرت (إسرائيل) لأنها حطمت القوة العسكرية لحماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، فتوقفت الصواريخ ولم تصل تل أبيب أو هرتسيليا أو حتى القدس والمستوطنات المجاورة لبيت لحم. انتصرت حين خسرت الملايين من الأموال من أجل بناء القبة الصاروخية التي أصبح بإمكانها الإمساك بأي صاروخ محلي الصنع أو مطور يخرج من غزة المجنونة. انتصرت (إسرائيل) لأنها دمرت البنية التحتية لحماس والجهاد وجميع الفصائل الغزية، فلن تستطع المقاومة منذ اليوم أن ترفع رأسها، بعد أن أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على أهم مواطن القوة لدى المقاومة حين دمرت مولاً تجارياً وبنكاً مدنياً وأراضٍ فارغة. أما المقاومة المنهزمة فاكتفت باستهداف الكنيست الإسرائيلي وأهم المواقع العسكرية مثل قاعدة زيكيم وحتسريم الجوية وغيرهما. انتصرت (إسرائيل) لأنها شتت الشمل الفلسطيني، فبعد فترة طويلة من التلاحم الغير مسبوق بين أبناء الوطن الواحد أصبح أهل غزة شيعاً وقبائل، لدرجة أن قادة وأبناء فتح والفصائل الأخرى كانوا يدافعون باستماتة عن حماس والمقاومة. ولأن الشمل تفتت أكثر وأكثر حتى صارت الضفة على بوابة انتفاضة ثالثة. انتصرت (إسرائيل) لأن غزة العاقة استقبلت وفوداً دبلوماسية عربية وغربية لم يسبق أن ولجت المنطقة بعد فوز حماس، الأمر الذي أعطي انطباعاً بمدى استخفافهم بحقوق الشعب الفلسطيني وتناسيهم إياه. فهؤلاء أن هؤلاء الدبلوماسيين الذين لم ترعبهم القذائف أو آلة الدمار الإسرائيلية، جاءوا يعربون عن دعمهم لغزة فلم يزيدوا من شرعية مقاومتها وقيادتها. انتصرت (إسرائيل) لأنها جعلت التضامن والحراك الشعبي العربي أكثر قوة وصلابة، ودفعت بالنظام المصري أن يسمح بدخول المتضامنين المصريين والعرب حتى دخلوا بالمئات وبات معظمهم في المستشفيات وتبرعوا بدمائهم لتكون لُحمة الدم والبندقية. وليس هذا فقط، بل جعلت من الحكومة المصرية أن تفتح المعبر الوحيد للقطاع على مدار الـ24 ساعة، وسمحت للمستشفيات والإسعافات باستقبال المصابين الفلسطينيين فوراً دون أي تنسيق. انتصرت (إسرائيل) لأن فصائل المقاومة توحدت بصورة ملفتة، لم يعهدها الشعب الفلسطيني، وصار صوتها واحداً وقرارها يخرج من بوتقة واحدة. وصار الهم أكبر من الفصائلية الضيقة، فالقضية فلسطينية تخص كل عربي فلسطيني يقبع في غزة والضفة معاً. انتصرت (إسرائيل) لأن المواطن الغزي الضعيف لم ترعبه الصواريخ أو الأشلاء، لأنه يؤمن بأن الجنة أكثر رحابة واتساعاً لأمثالهم. في حين أن شعب الله المختار اختبأ في الملاجئ والجحور ومجاري الصرف الصحي لأن إرادة الرب خانتهم هذه المرة. انتصرت (إسرائيل) بكل فخر لأنها لم تغلق أي من جامعاتها أو معاهدها أو مدارسها، لأنها تتحصن بالقبة الصاروخية التي تستمد قوتها من الولايات المتحدة وتكنولوجيتها المتطورة. وانتصرت أكثر وأكثر حين لم أغلق مطار بن غوريون ولم تقم بتعديل مسار العديد من الرحلات الجوية، في حين أن غزة الضعيفة توقف موظفوها عن أعمالهم خوفاً ورعباً. انتصرت (إسرائيل) لأن الشعب الفلسطيني خرج عن بكرة أبيه بشكل عشوائي محتفلاً بنصره رغم الأشلاء والدماء في الوقت الذي خرج فيه الإسرائيليون في بئر السبع والمستوطنات القريبة احتفالاً بالهدنة لأن الصواريخ ستتوقف وسيخرجون من الملاجئ مرة أخرى. نعم، لقد انتصرت (إسرائيل) بجيشها الأخلاقي الذي لا يقهر، لأنها خسرت أكثر من 400 مليون دولار، فانتصرت بكل ما ذكرت وما نسيت، فليهنأ كل واحد منا أيها الإسرائيليون بنصره.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.