جولة قصيرة في أسواق مدينة القدس المحتلة، وتحديدا في بلدتها القديمة، كفيلة بأن تكشف الحال الصعب الذي وصل إليه التجار المقدسيين الذي لحقت بهم خسائر فادحة، جراء إجراءات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحول دون دخول المتسوقين من الضفة الغربية ويلاحق التجار ويفرض عليه غرامات، وكثيرا ما يعلن عن اغلاقات بحجة الأعياد ومحاربة كورونا، وغيرها.
الأمر ليس جديدا، فمنذ عقود طويلة تستهدف بلدية الاحتلال في القدس وبتنفيذ من شرطتها الوضع الاقتصادي في المدينة المقدسة، وتسعى لإبقائه متدهورا، لكنه ازداد سوءا بعد إعلان رئيس الولايات المتحدة المنتهية ولايته "دونالد ترامب" القدس عاصمة لدولة الاحتلال.
أشهر قليلة، واجتاح فيروس "كورونا" العالم أجمع، وتركا أثرا اقتصاديا كبيرا على القدس أسوة ببقية المناطق، حيث فرضت سلطات الاحتلال حالة الطوارئ واغلقت المدينة المقدسة وبلدتها القديمة بشكل مستمر، ما ضاعف من الأزمة المالية والاقتصادية على التجار هناك.
وأسواق القدس شوارع صغيرة على جوانبها محال تعتليها منازل مقببة الأسقف، وعلى نوافذها مشربيات خشبية، وفي كل شارع طويل تستقر محال تجارية تبيع النوع نفسه من البضائع، مثل سوق العطارين وسوق باب خان الزيت وسوق الحُصر، الذي يقع بموازاة سوق اللحامين، وباب القطانين والبازار وباب السلسلة والخواجات وغيرها.
ويعود تاريخ هذه الأسواق إلى عهود إسلامية مختلفة، وحدِّثت في العهود المتتالية، وبقيت حتى سقوط المدينة كاملة تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث طمس بعضها، وبني مكانها الحي اليهودي.
ضربات متتالية
يقول التاجر أبو مهيوب المحتسب صاحب محل للملابس بالبلدة القديمة بالقدس المحتلة إن حياة التاجر المقدسي قد دمرت من جميع النواحي عبر استنزاف مدخراته وكساد بضاعته نتيجة الإغلاق المستمر للأسواق في القدس، "فالالتزامات كبيرة والوارد لا يذكر".
ويشير إلى أن الإغلاقات المستمرة أدت إلى غياب القوة الشرائية، ما انعكس بشكل خطير على التجار، الذين أغلق بعضهم محاله التجارية، إلى جانب تفكير آخرين بالإغلاق.
وأوضح المحتسب أن انعكاسات الواقع المزري الذي يواجه التاجر المقدسي، ستظهر بعد أشهر قادمة، وقد يؤدي إلى إفلاس أسواق كاملة وليس فقط تجار.
ويرجع التاجر عبد الوهاب الحسيني هذا الواقع إلى السياسة العنصرية الاحتلالية، حيث يتعامل مع المقدسي معاملة مختلفة كليا عن التجار اليهود، فالأسواق اليهودية مفتوحة بشكل كامل، دون وجود أي إجراءات وقائية أو دون تحرير أي مخالفة.
مضيفا: "بينما تاجر في شرقي القدس فتح محله المغلق منذ أسبوعين في شارع الواد، لغرض تهويته حتى لا تفسد بضاعته فخالفته قوات الاحتلال بـ5000 شيقل (1400 دولار أمريكي).
ملايين ضائعة
ووفق ما أفاد به رئيس مركز معلومات "وادي حلوة" جواد صيام، فإن خسائر المقدسيين خلال الاغلاقات التي يفرضها الاحتلال على البلدة القديمة تفوق 8 ملايين شيقل يومياً.
وأشار صيام إلى أنه بات من الواضح أن الاحتلال يهدف إلى خنق مدينة القدس وتهجير المقدسيين منها، وأنه يستغل الظروف القائمة للتضييق عليهم.
أما مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد الحموري، فقال إن حوالي 500 محل أغلق بسبب الجائحة، خاصة أصحاب متاجر التحف الشرقية، حيث أن العدد الاكبر من المحال يعتمد بشكل أساسي على الجانب السياحي واصحاب المهن والحرف السياحية.
وأشار إلى أن دولة الاحتلال تسجل نسبة وفيات عالية ما قد يحتمل اعادة الاغلاق الشامل من جديد وبالتالي استمرار اغلاق المنشآت والمحال التجارية بالقدس، حيث أن من يخالف تعليمات الاحتلال بالإغلاق يعرض نفسه لمخالفات باهظة، لا يملك التاجر دفعها.
وأكد الحموري أن ضرائب الاحتلال ومضايقاته تشكل المعضلة الأساسية للتجار، وأن هناك تمييزا كبيرا من السلطة القائمة بالاحتلال، كما يتم فرض ضرائب من أنواع مختلفة منها ضريبة "الأرنونا" وضريبة 17%، والدخل وغيرها.