أشغلت غزة الجيش الإسرائيلي على مدار الساعة؛ ضباطا وجنودا وقادة ومسؤولين، كلهم مشغولون كل الوقت في كيفية مواجهة رجال المقاومة في قطاع غزة، حتى بلغ الأمر برئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي أن يعلن عن منح وسام العمليات المميزة لعدد من الوحدات التي نفذت عمليات استثنائية، بمعنى آخر، التكريم سيكون للضباط والقادة الذين أبدعوا في مواجهة رجال المقاومة في غزة، على أن يكون هذا التكريم في مراسم احتفالية، وتغطية إعلامية، والتي ستقام من الآن فصاعداً كل عام.
التكريم الإسرائيلي لضباطه ووحداته القتالية يهدف إلى تعزيز ثقة الجندي بنفسه، وتعميق الشعور لديه بالانتصار، وبحسن الانتماء للجيش، هذا التكريم ما كان ليتم لولا اكتشاف القادة حجم التراخي واللامبالاة لدى جنودهم، فجاءت هذه الأوسمة التي ستوزع في كل عام حافزا لتعزيز الثقة بالمؤسسة، ولقهر الخوف الذي تسلل إلى مفاصل الجنود، فتوزيع الأوسمة في احتفال رسمي، وبتغطية إعلامية جاء لمواجهة حالة التردد وضعف الدافعية للقتال، التي أشار إليها مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي، الجنرال احتياط "يتسحاق بريك" والذي هاجم بشدة، شعبة الموارد البشرية في الجيش، متهما إياها بالتسبب في تراجع قدرات الجيش، وتراجع استعداده لأي حرب، وقد تضمن تقريره شهادة عشرات الضباط والجنود، الذين اتهموا الجيش بأنه مؤسسة متوسطة المستوى، تعاني التآكل بسبب كثافة المهام، وقلة استماع المستوى القيادي لمشكلات الجنود، ولأزمة الدافعية خاصة لدى الضباط الشبان.
ومن اللافت أن التكريم للضباط قد انصب بمجمله لصالح قيادات وأجهزة أمنية عملت ضد قطاع غزة في أغلب الأحيان، وفي هذا إشارة إلى أن معركة غزة لم تتوقف، وأن عدوان 2014 لم ينتهِ، وأن المقاومة في حراك ومجابهة وتحدٍ على مدار زمن الإرهاق للجيش للإسرائيلي، وهذا ما جاء عليه التقرير الذي ذكر العمليات النوعية التي كرم أصحابها، ومن هذه العمليات على سبيل المثال: اغتيال الشهيد القائد بهاء أبو العطا، وهذه شهادة عدو بأن مقاوما واحدا صلبا استنزف الجيش الإسرائيلي أكثر من كل جيوش العرب.
ومن العمليات العدوانية التي استحقت الأوسمة عملية نوعية ضد الأنفاق، وعملية تحت الأرض، وعملية نوعية أخرى تمثلت في منع تنفيذ 250 عملية مقاومة، وهذه شهادة على عدم انطفاء جذوة المقاومة، وهناك عملية ضد غزة تمثلت في تطوير إحدى الكتائب تقنيات قتالية مبتكرة لمهاجمة الأهداف البحرية.
هذا التفاخر الإسرائيلي بالإنجازات العسكرية لا يلجأ إليها منتصر، ولا يبرزها من يثق بقدراته، ولا يستعرضها جيش قادر على استعراض عضلاته في الميدان، فالتفاخر في هذا المقام تعبير عن عدم الثقة، وهذا ما لا نسمع عنه أو نراه من رجال المقاومة؛ الذين لا ينتظرون أوسمة، ولا يسعون للتكريم، فهم ليسوا بحاجة للمباهاة، وهم الذين كرمتهم أعمالهم التي أربكت عدوهم، وهم واثقون من عدالة قضيتهم، يؤمنون بالله، ويتزنرون بشعب يحفظ لهم مكانتهم في عميق الوجدان، شعب عربي يمتد من المحيط الرافض للاستكانة إلى الخليج الغاضب على التطبيع.