ألقى السيد محمود عباس عبارتين على مسامعنا المتمثلة في استحقاقين يريد إنجازهما هما، الاستحقاق الأول، هو طلب عضوية فلسطين "كدولة غير عضو" في الأمم المتحدة، وأما الاستحقاق الثاني، فهو تحقيق المصالحة الوطنية أي إنهاء الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس. ولعل الشيء المدرج على جدول أعماله والذي يحوز على الأهمية العظمى في جعبته وأجندته هو الاستحقاق الأول بتفضيله على الاستحقاق الثاني، لكن السؤال المهم الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو؛ ماذا لو فشل عباس في تحقيق وإنجاز الاستحقاق الأول، هل سيكون الاستحقاق الثاني -حسب طرحه- البديل لحفظ ماء الوجه؟ أم انه مجرد مناورة سياسية جديدة لرفع أسهمه مقابل ارتفاع أسهم حركة حماس، خاصة بعد أن خرجت الأخيرة من العدوان الصهيوني البربري بانتصار مؤزر؟ . أما بالنسبة للمراهنة على بان كي مون الذي يوهمنا بالعد التنازلي ويستقبل مقعدا جديدا لدولة فلسطين كعضو في الأمم المتحدة، أقول هذا من باب الوهم، لأن الفيتو الأمريكي ينتظر هذا الاستحقاق الفلسطيني بطلب عضوية كاملة أو ناقصة ولا مفر من ذلك، وهنا تكمن المشكلة، هل يجرؤ الأمين العام للأمم المتحدة على إصدار قرار أممي إلزامي من شأنه تعطيل الفيتو الأمريكي وحينها لا تجرؤ الولايات المتحدة المغامرة بالفيتو؟ أم أنه يستطيع سيسحب عضوية (إسرائيل) مقابل تهديد الفيتو الأمريكي، ومن ثم سيحيل قضية فلسطين من جديد على اللجنة القانونية للجمعية العمومية للبت في عضوية الطرفين؟ أو هل تستطيع الأمم المتحدة الآن وهي أقوى من السابق اتخاذ قرار ضم دولة فلسطين عضواً دائماً لديها مثلما فعلت من قبل مع دولة الاحتلال الإسرائيلية؟. كل هذه الأسئلة تجعلني أشكك في مقدرة الأمم المتحدة من أن تقدم على فعل ذلك لأنها بجميع مؤسساتها وهيئاتها خاضعة للولايات المتحدة، وهي التي تسيرها كيفما تشاء كلعبة الشطرنج حتى تكون هي القوة المهيمنة عليها دون تحدٍ، حين تحول قوانينها ومواثيقها لخدمة مصالحها وأهدافها السياسية كما تفعل ضد أي قرار أممي يدين (إسرائيل) بإشهارها الفيتو. فقد سبق وأن صعدت الولايات المتحدة في العام الماضي من موقفها تجاه مطلب الفلسطينيين الأول وهو سعيهم بالحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة على حدود 1967، بعد أن اطمأنت إلى تعذر حصول الفلسطينيين على تأييد 9 أعضاء وأكثر في مجلس الأمن، لأنه إن توفرت هذه الأكثرية، كانت ستلجأ واشنطن في النهاية إلى استخدام حقها باستخدام الفيتو ضد الطلب الفلسطيني من مجلس الأمن باعتراف بدولة كاملة العضوية. وكانت فرص الحصول على تأييد 9 أعضاء في مجلس الأمن للمطلب الفلسطيني ضعيفة، وكانت وعود بعض الدول بالتصويت لصالح القرار غير أكيدة بسبب مصالحها المرتبطة بالضغوطات الأمريكية الصهيونية، مما أدى حينها لعدم حاجة واشنطن لاستخدام الفيتو أصلا. وهذا ما دعا عباس إلى تقديم الطلب من أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتأييد حق الفلسطينيين في دولة "غير عضو" (non-state) في الأمم المتحدة (مثل حال دولة الفاتيكان)، وهو ما وعد الاتحاد الأوروبي وبعض الدول تأييده، لكن يبقى هذا الطلب وإن حصل وأقرته الجمعية العامة، لا يحمل أي صفة إلزامية أو قوة قانونية، وإن بدا ظاهرياً مكسبًا سياسيًا ودبلوماسيًا على أمل البناء عليه في المستقبل، لكن في الحقيقة يبقى حاله مثل حال القرارات السابقة للأمم المتحدة حبر على ورق. كل هذه الاحتمالات متوقعة ولا غرابة في ذلك، أو قد ينجح عباس بتمرير وإنجاح قرار عضوية فلسطين في الأمم المتحدة أو على الأقل تقديم طلب العضوية في الجمعية العمومية إلى ما شاء الله، لكن السؤال الجوهري العالق في الأذهان وهو؛ ماذا يعني استحقاق أيلول لفلسطين وليس لعضوية فلسطين؟! هل تأكد الفلسطينيون أنفسهم من صلاحية ونفاذ قرار العضوية لفلسطين في الأمم المتحدة على المدى البعيد، وهل أن قرار العضوية في الأمم المتحدة سوف يجمع في ثناياه حلاً لكل قضايا الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي؟ أم أنه سيكون تكريسًا للاحتلال من الناحية العملية تحت غطاء عضوية فلسطين "غير دائم" في الأمم المتحدة من الناحية النظرية، ونندم في المستقبل على هذه الخطوة مثل خطوة أوسلو وحينها تبقى دولة فلسطين معلقة في الهواء؟. أعتقد جازما أن الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى الصواب، لذا أرى من الضروري تقديم الاستحقاق الثاني الموجود على أجندة عباس على الاستحقاق الأول، والشروع فعليا وعمليا في إنهاء الانقسام وإحلال محله المصالحة الوطنية التي لمسنا بوادرها الخيرة أثناء العدوان الغاشم الذي شنته قوات الاحتلال الصهيوني على غزة، حين تلاحمت جميع الفصائل الفلسطينية مطالبة بالعودة الفورية إلى الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.