لا تكفي النيّات الصادقة لإنجاح حوارات القاهرة، المطلوب هو المواقف الصادقة، والقرارات الصادقة، والتنازل عن المكاسب الفردية والمصالح التنظيمية لصالح الوطن، ودون ذلك، فالحوارات استنزاف للوقت، وخيبة لرجاء الشعب، وحين نقول: المواقف الصادقة، فإننا نعني بذلك النجاح في الوصول إلى قواسم مشتركة في مجمل قضايا الخلاف القائم، بدءًا من البرنامج السياسي، وإطلاق الحريات، وتصحيح اعوجاج القرارات التي قيَّدت العملية الانتخابية، وليس انتهاءً بالتوافق على الضمانات التي تكفل سلامة العملية الانتخابية، ونتائجها، بما في ذلك رفع العقوبات عن أهالي قطاع غزة فورًا.
ومن خلال إطلالة على الوفود المشاركة في حوارات القاهرة، لاحظت أن الأسماء لوفدي حركة حماس وحركة فتح ذات حضور تنظيمي قيادي، شخصيات وازنة داخل التنظيم، وقادرة على اتخاذ القرار وتسويقه، وجميعهم أمام الاختبار الصعب، بعد أن أحرقوا السفن، مع صدور المرسوم الرئاسي، فلا مجال للفشل، ولم يبقَ أمام الجميع إلا النجاح، والخروج إلى الشعب الفلسطيني بابتسامة الرضا، وإعلان التوافق والنجاح، والاستمرار في مواصلة العملية الديمقراطية وفق أصولها المتعارف عليها دوليًّا.
نجاح حوارات القاهرة يعني الانتقال بالقضية الفلسطينية من التفرقة إلى الوحدة، ومن الضعف إلى القوة، ومن القيادة الفردية إلى القيادة الجماعية، ومن حالة التبعية الاقتصادية والأمنية للاحتلال الإسرائيلي إلى حالة التحدي والندِّية لمستوطنيه، ولا يتحقق هذا النهوض إلا بارتماء كل التنظيمات في حضن الحقيقة التي تقول: إن الشعب الفلسطيني سيد نفسه، وهو شعب مجرب وواعٍ، وهو الأقدر على انتخاب القيادة الأنسب لمواجهة مخططات المستوطنين، وأطماع المحتلين، ولا مبرر لفرض الوصاية المسبقة على المسيرة الانتخابية ونتائجها.
وما أصعب حوارات القاهرة إذا انعدمت الثقة، وتزامنت مع المكائد السياسية والنيّات السيئة، وما أسهل اللقاءات مع القراءة السياسية الدقيقة لمستقبل القضية الفلسطينية، وتأثير الفشل في جميع التنظيمات، ولمصر في هذا المضمار شأن عظيم، وهي راعية البيت الذي يجب عليها ألا تسمح بالفشل، حتى ولو تطلب الحوار زمنًا إضافيًّا يتجاوز المدة المحددة، وضغطًا دبلوماسيًّا غير مسبوق، فالشعب الفلسطيني ينتظر، ويأمل الخلاص من حالة التفرقة، والشعوب العربية تراقب، وتسأل الله النجاح.