تتزايد آلام الرقبة والظهر مع طبيعة الحياة المعاصرة بما فيها من سوء استخدام للعمود الفقري وعدم القدرة على الالتزام بالرياضة، بالإضافة لعوامل أخرى مثل زيادة الوزن وانتشار التوتر والقلق وارتفاع الاعتماد على الأكل الجاهز خصوصا عند الشباب، بما لذلك من تأثير على مخزون الأيونات والفيتامينات الضرورية.
وبحسب أستاذ دكتور هيثم العقيلي، استشاري جراحة الأعصاب والعمود الفقري في مستشفى الملك عبدالله المؤسس بالأردن، والأستاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، فإن الألم في مرحلته الأولى هو منبه بأن هنالك خللاً يحدث (خشونة وتآكل الفقرات أو انزلاق غضروفي أو التواء بالعضلات) فإن لم يتم التعامل مع الخلل الأصلي مبكرا يتحول الألم إلى مزمن ومتكرر ويفقد خاصية التنبيه بل يصبح هو المشكلة التي يجب التعامل معها.
وأضاف أن علاج الألم المزمن في العمود الفقري يستدعي البحث عن المسبب الأساسي الذي يتوارى مع تكرار الألم وظهور الشد العضلي المتكرر. والمعضلة الأكبر عندما يجري المريض تصوير الرنين والذي يظهر في معظم الحالات انزلاقات غضروفية وخشونة فقرات، وهذه موجودة في الغالبية العظمى من الناس ولا تسبب ألما.
وأضاف: "فإن تم ربط هذه التغييرات الموجودة في الصور الإشعاعية مباشرة بالألم الذي يشكوه المريض دون البحث عن المسبب الحقيقي لذلك الألم فسيدخل المريض لا محالة في الحلقة المفرغة من علاجات وعمليات جراحية كلها تستهدف التغيرات في الصور وليس الجزء من تلك التغيرات التي سببت الألم ونتحول من علاج مريض قادم بمشكلة محددة، وهي ألم حاد أو مزمن أو متكرر إلى علاج صور صماء تعامل معها الجسم بشكل أفضل من الأطباء".
لذلك، وبحسب العقيلي، فإن الألم المزمن هو مشكلة للمريض بحد ذاته ولم يعد منبها لخلل يحدث كما أنه ليس بالضرورة مرتبطا بالتغيرات الموجودة في صور الرنين والتي تتواجد حتى فيمن لم يشكُ من الآلام. أما علاجه فيبدأ من السيرة المرضية والفحص السريري لتحديد شكل الألم وبالتالي أسبابه والتي تثبتها صور الرنين ويكون العلاج موجها للسبب المباشر للألم وليس للتغيرات في صور الرنين وهذا يؤكد أهمية المهارات السريرية التي باتت تتراجع في التدريس الطبي.
حجر الزاوية والمرحلة الأصعب
وبعد التشخيص الذي يعتبر حجر الزاوية والمرحلة الأصعب في علاج الألم المزمن في العمود الفقري تأتي المراحل العلاجية والتي يجب أن تتدرج من الأقل تداخلا إلى الأكثر وليس البدء بالعمليات الكبرى، فعلاج مرضى الألم المزمن في العمود الفقري هي كمن يفتح خزانة ملابس (اسمحوا لي بهذا التعبير فهو الأدق برأيي) فكل مريض هو حالة متمايزة عن المريض الآخر، و بالتالي فليس هنالك قميص على مقاس الجميع بل كل مريض له قميصه العلاجي المناسب له.
وقال العقيلي إن زيادة التقنيات المعقدة الأكثر كلفة لم تضف الكثير لعلاج آلام العمود الفقري المزمنة خصوصا مع زيادة الاعتماد على هذه التقنيات دون الرجوع للقاعدة الذهبية الأولى وهي التشخيص الصحيح وإيجاد السبب المباشر للألم سواء كان مفاصل العمود الفقري أو العضلات أو الأربطة أو الانزلاق الغضروفي الحاد وتآكل الغضاريف مع التقدم بالعمر وسوء الاستخدام على سبيل المثال لا الحصر.
وأضاف أنه "مع ارتفاع الكلف العلاجية أصبح من واجبنا كأطباء إيجاد آليات وتداخلات محدودة للعلاج من الألم المزمن في الرقبة والظهر تكون فعالة وآمنة وأقل كلفة، والتركيز على علاج المسبب المباشر للألم، فنحن نعالج مريضا قادما للتخلص من الألم ولا نعالج صور أشعة ورنين فيها من التغيرات الكثير الذي تعاملت معه أجهزة الجسم وتأقلمت معه ولم يعد مشكلة أو مثيرا للألم".
المهارات السريرية
واختتم بالقول إن المهارات السريرية هي الخطوة الأهم للتشخيص السليم يليها الصور والإبر التشخيصية للتحديد الدقيق لسبب الألم المزمن المتكرر بدقة متناهية، ثم تكييف العلاج والتداخلات الجراحية بحيث تبدأ من الأقل تداخلا إلى أن يصل المريض والطبيب إلى الهدف المرجو وهو التخلص من الألم. كما أكد أن المجال ما زال مفتوحا لإيجاد تقنيات وإجراءات جراحية أقل تداخلا وأكثر فعالية من الحالية ويمكن الاستفادة من الخبرات التي تراكمت عند الأطباء ذوي الخبرة بعد إجرائهم آلاف العمليات بأنواعها سواء المفتوحة أو المجهرية أو بالمنظار أو بالتخدير الموضعي بحيث يحصل كل مريض على قميص العلاج الذي يناسب قياس آلمه وليس قميصا بحجم وقياس واحد على جميع المرضى أن يتكيفوا معه.