أصبح الأداء الفني في المسابقات الكروية في قطاع بشكل عام متراجعا، وينحدر إلى مستويات دون المأمول، بسبب ضعف الأداء العام وتراجع مستوى بعض الفرق الكبيرة تحديدا وغيابها عن التوهّج المعروف في ظل الفارق الكبير والواضح بين الفرق الرياضية في الأداء.
ولم يخرج الدوري الغزي بمختلف درجاته مع نهاية مرحلة الذهاب، من الناحية الفنية كثيرا عما سبقه من المواسم السابقة، فبقيت الإشكاليات الهجومية والدفاعية بارزة وواضحة عند غالبية الفرق، وإهدار الفرص السهلة كان عاما، إضافة لغياب الاستقرار الفني من ناحية عدد المدربين المقالين أو المستقيلين الذي كان له دور كبير فيما سبق، كما فشل الدوري في تقديم لاعبين محترفين على المستوى المطلوب رغم العدد الكبير من هؤلاء الذين بقيت مستوياتهم الفنية دون الحد الأدنى المطلوب، وجلس غالبيتهم على دكة الاحتياط وكان دورهم هو تكملة عدد في أكثر الأحيان، وهذا أيضا من أبرز الظواهر السلبية في الدوري.
وانعكست الصورة السلبية للأداء الفني بشكل واضح على كل فرق الدوري، فكان غياب الاستقرار الفني من مباراة لأخرى عنوانا عريضا، فتفاوتت النتائج، وتغير الترتيب من جولة لأخرى، كما عانت الفرق كلها دون استثناء من ظاهرة ومشكلة عدم التزام اللاعبين لعدم تفريغهم، إضافة لاستمرار غياب الأندية الكبيرة والتاريخية عن الأداء المعروف عنها في الدوريات.
ومن المتوقع أن يصبح تاريخ وسمعة الكرة الغزية في مهب الريح، إذا لم يتم دراسة التراجع الفني للدوريات في غزة، خاصة في ظل وجود أصوات تنادي بإيجاد حلول عاجلة من أجل الظهور بحالة فنية مميزة، والابتعاد عن الخطر الحقيقي، الذي قد يؤدي إلى انهيار المتعة والرياضة الغزية.
وفي إطار تراجع الأداء الفني في الدوريات الغزية، فتحت وكالة "فلسطين الآن" حواراً مع العديد من المتابعين للشأن الرياضي في غزة، حول هذا الموضع، للنظر حول مسبباته.
سوء التخطيط
وأرجع الناقد والمحلل الرياضي في قطاع غزة، على النمس، التراجع الملحوظ للأداء الفني في الدوري الغزي، إلى عدة عوامل، وأهمها الإيقافات التي طالت بعض اللاعبين وإصابتهم التي حرمت فرقهم من الاستفادة من جهودهم، مشيراً إلى أن المشكلة الأكبر تكمن في عدم خلق دكة بنفس كفاءة اللاعبين الأساسيين.
وأضاف النمس في حديثه لـ"فلسطين الآن"، " ومن المعوقات والظروف الخارجية التي كانت خارجة عن إرادة المدربين التوقفات الطويلة والمتعددة للدوري وبكل تأكيد هذه التوقفات كانت سبباً رئيسياً في تذبذب مستوى الفرق، إضافة للنقص في الموارد المالية مقارنة بالاحتياجات الأندية الفعلية وهذا الأمر يعيق بعض الخطط التي تفكر بها الأندية لتنفيذها على أرض الواقع ويعيق تعاقداتهم".
وحول ثقافة المدربين ومساهمتهم في التراجع الفني للدوري بغزة، أكد النمس، أن الأمر مرتبط في المقام الأول بسوء التخطيط وهو بند عريض يحمل في طياته الكثير من التفاصيل المسببة لهذه الظاهرة، إضافة لعدم وجود خطة ورؤية واضحة مع بداية فترة الإعداد والأهداف التي يريد تحقيقها الفريق.
وأشار النمس الذي يعمل كمحلل لدورينا الغزي، إلى أنه وجد معاناة كبيرة خلال الفترة الماضية، لعدم وجود حالات فنية كاملة يستطيع تحليلها لبعض الفرق وعدم مشاهدة استقرار على تشكيلة وخطة بعينها، إضافة إلى الخوف من النتائج والخوف من ظاهرة الإقالات السيئة، مؤكداً أنها ظاهرة تبحث الإدارات عن طوق نجاة لأنفسها وليس للفريق وتغطية ضعف العمل الإداري لهم في بداية الموسم سواء اختيار الأعبين أو المدربين أو تكوين فريق من الناشئين من خلال الباب الأقرب وهو تبديل المدرب باعتباره الحلقة الأضعف في هذه المنظومة.
وأضاف: "غياب الاختصاص بالأندية سواء الإدارات نفسها أو أعضاء اللجان الفنية بجانب سوء التخطيط سببان رئيسان لإقالات المدربين أيضاً أنديتنا عدا اثنين أو 3 فقط تفتقر إلى الكفاءات باللجان الفنية المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على عاتق إدارات الأندية التي يتوجب عليها الاختيار الصحيح ولن يتحقق ذلك إلا عن طريق أصحاب الاختصاص لقيادة المؤسسات الرياضية خصوصاً الأندية التي يقع على عاتقها اختيار اللاعبين والمدربين إضافة إلى وضع بنود في صياغة في العقد المبرم بين النادي والمدرب بحيث يجد الأول مخرجاً في حال إقالة الأخير مما يعطيه أريحية كبيرة في العمل".
وعن تسبب الأزمة المالية لتراجع المستويات الفنية في مختلف الدرجات للدوري الغزي، اعتبر النمس أن القضية ليست مرتبطة بالجانب المادي بشكل بحث بل هناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى هبوط المستوى، مبيناً أن العديد من لاعبي دورينا يأتي لمزاولة لعبة كرة القدم بدافع إشباع الرغبة الذاتية فإنه متى ما وصل إلى درجة التشبع سينخفض ذلك الشغف بشكل تدريجي.
وتابع حديثه: "إضافة لتعرض اللاعبون إلى ضغوط مرتبطة بكونهم جزءاً من الفريق يتضمن ذلك الضغط المرتبط باختيار التشكيلة المناسبة الأخطاء الفردية والجماعية إلى جانب محاولة موازنة الأهداف الشخصية مع أهداف الفريق مما يلقي قلقاً مستمراً على اللاعب".
وأكمل: "أيضا هناك نقطة مظلمة وهي أحد أمنياتي الشخصية بالتغلب على عادة السهر والتدخين المنتشرة بشكل مرعب بين جميع اللاعبين".
وعلى الرغم من تدني المستوى الفني، إلا أن النمس اعتبر أن هناك فرق رياضية تقدم مستويات ثابتة، مثل شباب رفح الذي يقدم مستويات ثابت من بداية الدوري، مرجعاً ذلك إلى روح الفريق الواحد، وحبهم الكبير لـ"الزعيم" وإسعاد جماهيره.
وعن دور اتحاد الكرة في تراجع المستوى الفني، اعتبر النمس أن الاتحاد يتحمل جزء من هذه القضية، أهمها عدم وجود دوري رديف لتفريخ لاعبين للفريق الأول، إضافة لغيبا الدورات التحكيمية لحكام قطاع غزة، التي كانت الحلقة الأبرز في الدوري بعد الأخطاء التحكيمية الكبيرة، إضافة لتأخر المنح المالية على الأندية التي شكلت عبء كبير على الأندية في التزاماتها مع لاعبيها والذي أثر بالسلب على المستوى الفني.
وعلى الرغم من غياب الأداء الفني الممتع، أكد النمس أن هناك العديد من اللاعبين في غزة، يقدمون مستويات ثابتة على مستوى المنظومة الجماعية وليس الفردية، أمثال، عبد الله شقفة، ووليد ابو دان، وأنس الشخريت، وخالد النبريص، ومحمد عبيد وأحمد الغزالي، وعبدو أبو الطرابيش، وناجي النحال، ويوسف لولو، مبيناً أن مستوياتهم ستبقى ثابتة الأمر مرتبط ارتباط كلي بنتائج فرقهم وعمل منظومتهم والاعتماد عليهم.
اللقطة الختامية
بدروه اعتبر الناقد الرياضي يوسف غنيم، أن أحد الأسباب الرئيسية لتراجع المستوى الفني في غزة، هو اهتمام الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم باللقطة الختامية إلى جانب اهتمام الأندية بالنتائج دون الأداء، مبيناً أن دورينا بدأ بشكل مفاجئ بسبب وباء كورونا والتي أسهمت مع المدربين في سوء تنفيذ فترة الإعداد خاصة.
وأضاف غنيم في حديثه لـ"فلسطين الآن"، أن "المدربين يفتقرون إلى القدرة على التدريب الذهني وانشغال اللاعبين بالتفكير بالمنحة أكثر من التدريب إلى جانب افتقار لاعبونا للثبات الانفعالي والقدرة على التركيز في لحظات المنافسة والخوف من الخطأ فيقعون فيه وبالتالي وضع الأجهزة الفنية تحت الضغط لتدخلات إدارية غريبة".
واعتبر غنيم أن للمدربين علاقة كبيرة في انخفاض المستوى الفني للاعبين، مبيناً أن الدورات التدريبية الأخيرة التي تمت في غزة، هي دورات لم تكن وفق معايير حقيقية، مبيناً أنها بمثابة علاقات واستثمار فكل من شارك بها ينجح ويحصل على شهادة.
وتابع: "للأسف فتساوى المبدع والمقنع بالمخفق ونظرا لأن المستوى الرياضي يخضع لتقييم إعلامي هابط فتقع الأجهزة الفنية الحقيقة تحت ضغط ولأننا اتحاد وإدارات أندية دخيلة على الوسط الرياضي فالخيارات تكون مبنية على العلاقات دون النظر (للسي في) وبذلك نجد مدربين يفتقدون لفهم عناصر اللياقة أو حتى وضع خطة وحدة تدريب ويتجه المدربين للنسخ لصق من اليوتيوب دون فهم المضمون والهدف من التمرين وتموضع اللاعبين الصحيح خاصة وأن الخطوط أصلا تبنى وفق إمكانياتنا والتي يفتقر لاعبونا لبعض من اساسياتها".
وأشار إلى أن علاج ذلك، هو من خلال ابتعاث كوادر بشرية تذهب للمعايشة وفق معايير ضابطة وحقيقية.
وأوضح غنيم في حديثه، أن المستويات الثابتة لا يطلق على دوري واحد فثبات المستوى ليستمر يحتاج لأكثر من موسم ونحن نفتقر لذلك، مبيناً بأن نادي خدمات رفح وحتى لحظة الكتابة هذه يحافظ إلى حد ما على مستواه نظرا لاعتماده على قطاع ناشئين جيد.
وأكد غنيم في حديثه المتواصل لـ"فلسطين الآن"، أن اتحاد الكرة في غزة، هو أحد أهم العوامل في تدني المستوى الفني، من اتجاه إداري وفني.
وأضاف: " من الناحية الإدارية، لوائح الإتحاد الخاصة بشؤن اللاعبين قد عفا عليها الزمن ولا زال يعمل فيها واذكر منها مثال (اللاعب يرفع للفريق الأول تلقائيا دون عقد أو حضور اللاعب أو ولي أمره".
وتابع: "العشوائية والازدواجية والكيل بمكيالين، فمثلا تجد قضية ما تحتاج إمكانيات وهذا قانون إلا أنه يمكن أن تحل عبر الهاتف لنادي آخر ولنفس القضية".
أما الجانب الفني، فأكد غنيم أن الاتحاد لا يسعى لتطوير الكادر البشري، من خلال توفير بعثات معايشة لكل عناصر المنظومة خارج فلسطين، إضافة لبطولات الناشئين التي تعلب مرة واحدة ولفترة قصيرة في كل موسم، مطالباً بإعادة النظر في هذه القضية.
وعن ثبات مستوى العديد من اللاعبين، أكد غنيم أنه من الصعب ثبات أي لاعب أو فريق، إلا أنه من يضع هدف ويمتلك دافعية وشغف وطموح ويحسن توظيف موهبته وتطويرها بالتدريب فيمكن له المحافظة على ثبات أداؤه.
وعدد غنيم العديد من اللاعبين القادرين على الحفظ على مستوياتهم ثابتة، أمثال خالد النبريص ومروان الترابين من اتحاد خانيونس وجمعة الهمص من شباب رفح ومن يقدم عطاء منذ سنوات، وهم سليمان العبيد من خدمات الشاطئ، وعلاء عطية من الشجاعية.
أما في دوري الدرجة الأولى، فعدد غنيم العديد من اللاعبين، وأبرزهم، خالد السيد من الزوايدة وأحمد سعدي أبو عبيد من غزة الرياضي وإبراهيم وشاح من خدمات البريج ومحمد أبو كرش من خدمات النصيرات ومحمد صلاح من أهلي غزة.
غياب الهدف والطموح
أما الصحفي الرياضي محمد العجلة، فاعتبر أن انخفاض مستوى الدوري الغزي يعود لعدة أسباب أهمها غياب الهدف والطموح، فعدم مشاركة أو اختيار لاعبي غزة للانضمام للمنتخبات الوطنية يعد ضربة قوية لطموحات اللاعبين وبالتالي لا وجود لدافع قوي يجبر اللاعب على تقديم أفضل ما لديه بشكل مستمر، وإنما قد يظهر بشكل جيد في فترات متباعدة وحسب قوة أو ضعف المنافس، بالإضافة لتواضع البرامج التدريبية المستخدمة من قبل المدربين وغياب التخصص في الأجهزة الفنية نتيجة عدم اهتمام مجالس الإدارات بتوفير كل ما يلزم وذلك لغياب الاحترافية في التعامل مع كرة القدم خاصة والرياضة بشكل عام.
وعن رأيه في علاقة المدربين في تراجع المستوى الفني للاعبين ، أضاف العجلة في حديثه لـ"فلسطين الآن"، أنه وبالرغم من تعدد الدورات التدريبية المنظمة من قبل الاتحاد في غزة، إلا أنها تبقى ضمن مستوى وإطار معين ومجردة من المعلومات الفضفاضة والواسعة بكل ما يحيط بكرة القدم من تحليل فني وتحليل أداء ووضع الخطط المناسبة لكل مباراة والطريقة التي سيتغير بها الأداء داخل الملعب مع تغير ظروف ونتيجة المباراة، بمعنى أنها دورات تسير إلى جانب المستوى العام للكرة في غزة ولا تدفع به للأمام، وغالبا ما يصطدم فكر المدربين إما بمجالس إدارات تتدخل في عمل الجهاز الفني أو بلاعبين غير مهيئين وغير معتادين على تنفيذ خطط المدربين إن وجدت.
واعتبر العجلة أن الأزمات المالية، لا تؤثر بالدرجة الكبيرة، على تدني المستوى الفني، رغم أنها أحد العوامل، قياساً بعامل غياب الطموح والبرنامج التدريبي.
وأشار العجلة إلى أنه لا يوجد أي فريق بغزة يقدم مستوى ثابت، وحتى على مستوى اللاعبين هناك تذبذب في الأداء، وهذا يعود لطريقة تدريب هؤلاء اللاعبين وغياب القياس والمعالجة للأداء ودراسة أسباب هذا التذبذب.
وأكد الصحفي الذي يعمل في موقع الأقصى الرياضي، أن الاتحاد يتحمل المسئولية الكاملة في هذا التدني، لأن عملية تطوير الكادر واللعبة بشكل عام تقع على عاتقه، فلا توجد دورات خارجية للمدربين ومشاركات خارجية للفرق نتيجة عدم الاعتراف بالمسابقات في غزة من الأساس، ولا يوجد بطولات مستمرة للناشئين في كافة الفئات العمرية، وغفل الاتحاد تماما عن أمر مهم وهو أن المستوى الكروي لن يرتفع إلا بالاهتمام بالناشئين من خلال تنظيم دوريات كاملة لهم، تضمن بذلك اهتمام الأندية بهم على مدار الموسم بدلا من تنظيم بطولة لا يخوض بعض اللاعبين فيها أكثر من مباراتين كبطولة طوكيو.
وأوضح أنه من الصعب تحديد لاعب يقدم مستوى ثابت في غزة، ولكن بالإمكان الحديث عن لاعب أكثر ذكاءً قادر على استغلال هفوات المدافعين أو تواضع المنافس بتسجيله أهدافا من فرص قليلة وهذا ما يجعله مميزا عن غيره لكنه غير قادر على تقديم أداء مميز في كل مباراة.