ما زالت قضية إعادة افتتاح القنصلية الأمريكية في شرق القدس مثار خلاف بين واشنطن وتل أبيب، في ظل مساعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لفتح القنصلية لإدارة شؤون الفلسطينيين، ما زاد في الأصوات الإسرائيلية الداعية لأن تقيم هذه القنصلية في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
مع العلم أن نية الإدارة الأمريكية المعلنة لإعادة فتح قنصليتها في شرق القدس كهيئة تمثيلية للقيادة الفلسطينية، وتقديم الخدمات القنصلية لسكان الأراضي الفلسطينية، أصبحت حجر عثرة سياسيًا في العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، ولعل ما يزيد تعقيد ودقة الموضوع تزامنها مع المطالب الفلسطينية بإلغاء اعتراف الإدارة الأمريكية السابقة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
آلان بيكر القانوني والدبلوماسي الإسرائيلي زعم في صحيفة "معاريف" أن "هناك عدة نقاط قانونية مرتبطة بموضوع القنصلية الأمريكية، أولها أن إعلان الولايات المتحدة في مايو 2018 عن اعترافها الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل شكّل تغييراً هاماً في سياستها تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما يعني إلغاء للوضع الذي كان قائما من قبل، حيث إن القدس لم تعتبر فيه منذ قيام الدولة في 1948 أرضا إسرائيلية ذات سيادة وفق سياسة الولايات المتحدة".
وأضاف بيكر، رئيس برنامج القانون الدولي في مركز القدس للشؤون العامة، أن "الاعتراف الأمريكي الرسمي بسيادة إسرائيل على القدس أسفر عن وضع قانوني جديد حل محل السياسة السابقة بعدم الاعتراف، وبموجبها اعترفت الولايات المتحدة بتطبيق القانون الإسرائيلي في المدينة المقدسة، وقد سمح الوضع السابق للولايات المتحدة، إضافة إلى دول أخرى، بإقامة قنصليات مستقلة قائمة منذ الحكومة العثمانية في المنطقة منتصف القرن التاسع عشر، مصممة لخدمة الأمريكيين الذين يزورون الأراضي المقدسة".
مع العلم أن تأثير إقامة القنصلية الأمريكية في القدس سيترك تأثيره على الوضع السياسي الفلسطيني، والفلسطينيين الذين يعيشون في شرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، بزعم أن إعلان 2018 بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل عمل على تغيير الوضع القائم، وجعل وجود قنصلية أمريكية مستقلة في شرق القدس تخدم السلطة الفلسطينية أمرًا غير ضروري.
وتزعم المحافل الإسرائيلية أن العلاقة القنصلية المقبولة بين إسرائيل والولايات المتحدة تستند إلى اتفاقية فيينا منذ عام 1963، وتنص مادتها الرابعة على أن شغل المناصب القنصلية، أو أي مكتب آخر يشكل جزءًا من مركز قنصلي، في إقليم دولة معينة، يجب أن يخضع لموافقة تلك الدولة.
أكثر من ذلك، أن الأوساط السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية تسعى لتسويق مزاعم تتعلق بأن إبرام الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية لصالح السلطة الفلسطينية لا يحتاج بالضرورة لافتتاح مثل هذه البعثة الأمريكية في شرق القدس خصيصا، بل إنه يمكن إقامتها في رام الله أو غزة، أو في أي مكان داخل الأراضي التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، بزعم أن ذلك سيكون متوافقا مع عملية التسوية المتفق عليها بين إسرائيل والفلسطينيين، وبدعم من الولايات المتحدة.
الخلاصة الإسرائيلية من هذه الدعوة لإقامة القنصلية الأمريكية في رام الله بدلا من شرق القدس، أنها لا تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة، والتزاماتها بالقانون الدولي، ولا يمس ذلك بالتزامات وإعلانات إسرائيل، وتحالفاتها معها، لكن ذلك لا ينفي الفرضية السائدة أن إعادة افتتاح القنصلية شكل أول أزمة مبكرة بين واشنطن وتل أبيب، ولا يبدو أن لها حلا قريبا في الأفق المنظور.