قالت مجلة فورين أفيرز، إن تسريب الوثائق الداخلية، من شركة فيسبوك التي تغير اسمها لاحقا إلى ميتا، كشف أن الشركة كانت على علم بالعواقب الضارة، لمنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها حول العالم، لكنها تجاهلت ذلك.
ولفتت في تقرير إلى انزعاج موظفي فيسبوك بشكل خاص من التطورات بالهند، والتي تشكل أكبر سوق منفرد بها مع 340 مليون مستخدم، بعد نشر معلومات مضللة تستهدف 172 مليون مسلم في الهند بخطاب كراهية وتحريض على العنف ضدهم.
وأشارت المجلة، إلى أن الشركة، وجهت خوارزميات فيسبوك هذا المحتوى للمستخدمين حتى مع فشل آليات المراقبة الخاصة به؛ لديها خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة على فحص المحتوى في خمس لغات فقط من أصل 22 لغة رسمية في الهند. اختارت الشركة التي تقارب قيمتها تريليون دولار أن تفعل القليل، ملقية باللوم على شح الموارد.
وجذبت هذه الفضيحة الانتباه إلى عمليات فيسبوك في أسواقها الجديدة. لكن مشاكل الشركة في الهند تكشف عن حقيقة أوسع. التعصب الظاهر على فيسبوك ليس نتاجا لخوارزمياته بقدر ما هو نتاج تغييرات في المجتمع الهندي. مع وصول المزيد من الهنود إلى المجال العام الذي أصبح ممكنا بفضل الإنترنت وشركات التواصل الاجتماعي، فقد جلبوا معهم بعض تحيزاتهم.
وتزامن توسع الإنترنت في الهند مع صعود رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي بهاراتيا جاناتا (BJP). منذ أن أصبح رئيسا للوزراء في عام 2014، تضاعف عدد مستخدمي الإنترنت أربع مرات، من 213 مليونا إلى 825 مليونا.
وفي عام 2020 وحده، استخدم 78 مليون هندي وسائل التواصل الاجتماعي لأول مرة. سمحت منصات فيسبوك وانستاغرام وواتساب لمئات الملايين من الأشخاص بدخول المجال العام الذي شعروا منذ فترة طويلة بأنهم مستبعدون عنه. لكن هذا الاتساع في المجال العام أكد أيضا على تآكل المؤسسات الليبرالية في الهند.
ويشير السلوك عبر الإنترنت الذي أتاحه فيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى إلى كيف أن التحول الديمقراطي والاستيعاب السياسي الأكبر دفع الهند، بعيدا عن المُثل التي تأسست عليها، فقد أعلن دستور الهند، الذي سُن في عام 1950 في أعقاب الحكم البريطاني، أن الدولة ديمقراطية علمانية وليبرالية على النمط الغربي.
لكن هذا الافتراض للفردانية والليبرالية كان ولا يزال حتى اليوم على خلاف مع الطريقة التي يعيش بها الهنود حياتهم بالفعل. وجدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2021، وهي واحدة من أكبر الاستطلاعات من نوعها، أنه على الرغم من أن معظم الهنود متسامحون دينيا، إلا أن غالبية كبيرة منهم - سواء كانوا من الهندوس أو المسلمين أو السيخ - يعيشون بين أبناء دينهم، ولديهم أصدقاء من نفس الخلفية، والاستمرار في تعريف أنفسهم حسب طبقتهم.
ووجد الاستطلاع أيضا أنه بالنسبة لغالبية الهندوس، فإن هويتهم الوطنية ودينهم ولغتهم الأساسية (الهندية، وهي اللغة الرئيسية في العديد من المناطق الشمالية والوسطى من البلاد) تتماشى معا بشكل وثيق. هذا الاختلاط بين الفصل والتسامح والهوية الجماعية والأصوات الفردية هو الطريقة التي يعيش بها معظم الهنود.
وقالت المجلة إن مؤسسي الهند الحديثة، أرادوا منع ظهور نسخة هندوسية من باكستان ذات الأغلبية المسلمة - دولة تعكس أعراف مجتمعها الديني ذي الأغلبية. وطالما ظل حزب المؤتمر يتمتع بشعبية وصوتت الأغلبية الهندوسية على أسس أخرى - مثل الانتماء الطبقي والطائفي - كافح القوميون الهندوس لتحقيق تقدم انتخابي.
لكن كما أوضحت في كتابي الأخير، الهند قبل مودي: كيف وصل حزب بهاراتيا جاناتا إلى السلطة، عمل القوميون الهندوس على مدى مائة عام لإنشاء كتلة تصويت هندوسية موحدة، من خلال التودد إلى الهندوس من الطبقة الدنيا واستعداء المسلمين. في ظل حكم مودي ذي الطبقة الدنيا، يبدو أن هذا التحول على وشك الانتهاء. ناخبوه بعيدون كل البعد عن الطبقة العليا من الهندوس – الذين يشكلون أقلية عددية من السكان الهنود - والذين شكلوا القاعدة الأولية للأحزاب القومية الهندوسية.
مثل الرجل نفسه، يميل ناخبو مودي إلى أن يكونوا أفقر وأقل تعليما حديثا وانخفاضا في التسلسل الهرمي الطبقي. وليس من قبيل الصدفة، هم نفس المجموعات التي قادت انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في السنوات القليلة الماضية.
وقالت المجلة إن مودي هو السياسي الذي أدرك بشكل أفضل تأثير الإنترنت في الهند والأعراف الاجتماعية التي تعكسها. يحافظ على تواجد هائل على فيسبوك وإنستاغرام ويوتيوب، بالإضافة إلى مجموعة من التطبيقات المحلية. كونه يتمتع بـ 72 مليون متابع على تويتر جعل مودي أكثر هندي شهرة على منصة التواصل الاجتماعي.
وإذا كان جذب أتباع هي إحدى الطرق التي استخدم بها مودي طفرة الإنترنت لتعزيز شعبيته، فإن طريقته هي نقل الخدمات الحكومية عبر الإنترنت. إن قدرة الدولة الهندية - قدرة الحكومة على تنفيذ إرادتها - متواضعة تاريخيا. لكن مودي كان قادرا على تجاوز هذه الإخفاقات التقليدية من خلال نشر التكنولوجيا الرقمية لتقديم الرعاية الخاصة، مثل توزيع أسطوانات غاز الطهي على النساء الفقيرات، بطريقة تفوز بالأصوات.
ولعل أبرز مثال على هذا الذكاء هو منصة رقمية على مستوى البلاد ساعدت في الحصول على جرعة واحدة على الأقل من لقاحات كوفيد-19 إلى 80% من السكان البالغين في الهند، بينما تمكنت أمريكا التي يبلغ عدد سكانها ربع سكان الهند وتتمتع بأضعاف إمكانات الهند، من الحصول على جرعة واحدة في 69% فقط من البالغين. وعلى عكس شهادات اللقاح المكتوبة بخط اليد التي يجب على الأمريكيين الحفاظ عليها بأمان، يمكن للهنود تنزيل دليل التطعيم الخاص بهم في أي وقت، جنبا إلى جنب مع صورة ضخمة لمودي لتذكيرهم بمن يستحق أصواتهم الممتنة.
وأشارت المجلة إلى أن الطريقة التي تستخدم بها الحكومة الهندية، الإنترنت هي طريقة خبيثة تماما: إثارة هوية هندوسية حازمة. ومثال على ذلك تايغر راجا سنغ، السياسي من حزب بهاراتيا جاناتا الذي نشر على فيسبوك مناديا بإطلاق النار على المهاجرين الروهينغيا من ميانمار وهدد بهدم المساجد.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه على الرغم من أن موظفي فيسبوك خلصوا داخليا إلى أن تلك المنشورات تنتهك قواعد خطاب الكراهية للشركة، إلا أن السياسي استمر في نشاطه على فيسبوك وإنستاغرام.
وقال "فورين أفيرز" إن رعاية الدولة هذه أمر بالغ الأهمية. ساعدت حكومة مودي في نشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة من خلال التشريعات.
فبعد وقت قصير من تحدي تويتر لأمر بحذف 1178 حسابا متعلقا بالاحتجاجات المناهضة للحكومة من قبل المزارعين في أوائل عام 2021، أصدرت الحكومة لوائح جديدة على وسائل التواصل الاجتماعي تفرض على المنصات تتبع منشئي المحتوى، وإنشاء بيروقراطية داخل الهند يجب أن تستجيب للشكاوى، وتنزيل المحتوى في غضون 36 ساعة من صدور أمر من الحكومة أو المحكمة. تتماشى هذه الإجراءات مع الاتجاهات العالمية لتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها في أيدي الحكومة الهندية الحالية تثير مخاوف من القمع الانتقائي للتعبير.
ولقد منحت ثورة الإنترنت الملايين من الهنود صوتا في المجال العام. ولكن مع هذا التأكيد الذاتي من القاعدة إلى القمة، جاءت النتائج التي كان يخشاها مؤسسو الهند الحديثة. تساعد هذه الديناميكية في تفسير نجاح رئيس الوزراء الذي تعتمد شعبيته على مناشدته للهويات الجماعية. هذا هو المأزق الحقيقي الذي تكشفه فضيحة فيسبوك. لقد سخر ملايين الهنود العاديين أدوات الحداثة الغربية، لكنهم غير مهتمين بالتحول بواسطتها.