بالتزامن مع اتفاقيات التطبيع التي تبرمها "دولة" الاحتلال مع عدد من دول المنطقة، المشاطئة على البحر المتوسط، وآخرها المغرب، تبدي الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية اعترافا متزايدا بالأهمية الدبلوماسية المتزايدة لحوض البحر المتوسط، والفرص التي يوفرها لمزيد من الاختراق الإسرائيلي للمنطقة العربية.
وتزعم المحافل الأمنية في "دولة" الاحتلال أن مساحة البحر المتوسط ملائمة للاحتلال، فهو يجمع بين الهويات الأوروبية والشرق أوسطية، وهذه مساحة يحافظ فيها الكيان الصهيوني على علاقات مع معظم الدول، وقد تشارك فيها من خلال العمليات الإقليمية، الأمنية والعسكرية معاً، ويمكن من خلالها تعزيز المصالح الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والأمنية مع دول معينة، ومن خلال أطر متعددة الجنسيات.
نمرود غورن رئيس ومؤسس المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية-ميتافيم، ومحاضر في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية، ذكر في مقاله على موقع "زمن إسرائيل"، أن "دولة الاحتلال تسعى لاستغلال حوض البحر المتوسط لإقامة المزيد من العلاقات مع دول المنطقة، وزيادة مشاركتها في الأطر متعددة الجنسيات، والانخراط أكثر في رسم خريطة للمهام التي تواجه الاحتلال في التخطيط لخطواتها التالية في المنطقة".
وأضاف أن "الإطلالة الإسرائيلية على البحر المتوسط تسلط الضوء على مستقبل علاقات الاحتلال مع تركيا، حيث لم يعمل السفراء في أنقرة وتل أبيب منذ 2018، بسبب الاحتجاجات التركية على الوضع في غزة، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، ولعل الاحتلال يحتاج لمزيد من الضغط لرفع مستوى العلاقات مع تركيا، التي ستتيح إقامة حوار استراتيجي حول القضايا الإقليمية مثل إيران وسوريا وتوسيع التعاون الاقتصادي والمدني".
في الوقت ذاته، فإن تجديد العلاقات الإسرائيلية مع المغرب، يفتح فرصًا جديدة للتعاون بينهما، وكذلك للمنظمات الإسرائيلية التي تعمل على تعزيز التغيير الاجتماعي والتعاون الإقليمي، بزعم أن المغرب شريكة في تبادل المعرفة، والمشاريع المشتركة، وزيادة القدرة على التأثير.
في المقابل، تشهد الأشهر الأخيرة تقاربا في العلاقات الإسرائيلية المصرية، من خلال إطلاق خط الطيران بينهما، وخفض مستوى تحذير السفر الإسرائيلي إلى مصر، وفي ظل الموقع الجغرافي للاحتلال على شاطئ المتوسط، يتابع الإسرائيليون ما يقولون أنه "دفء" في العلاقات مع مصر، وهو ما انعكس في علاقة قادتهما، وتنامي التعاون الاقتصادي والبيئي، رغم المخاوف الأمنية الإسرائيلية من تغير محتمل في الوضع المصري الذي قد يؤثر سلبا على علاقاتهما.
على صعيد آخر، تبرز قضية الحدود البحرية بين الاحتلال ولبنان ذات أبعاد اقتصادية، وهي مهمة للولايات المتحدة، ولذلك جاء تدخلها للسماح بفتح قناة استثنائية للمحادثات بين الاحتلال وجارتها الشمالية، ما قد يشير الى إمكانية حل باقي خلافاتهما من خلال قناة سياسية، وليست عسكرية بالضرورة، لكن الغريب أن القراءة الإسرائيلية تتطلع لما هو أبعد من مصر ولبنان، وصولا الى دول شمال أفريقيا، التي لها شراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومنها الاتصال مع تونس على سبيل المثال.
مع العلم أن الموقع الجيو-استراتيجي لإسرائيل على شاطئ المتوسط، يرتبط بإنشاء منتدى الغاز للمتوسط منذ ثلاث سنوات، وقد كان متوقعاً أن يقدم مخرجات مهمة لإسرائيل، لكن ذلك لم يحصل فعلا، وهو مصدر قلق لها، رغم أن الاستفادة الإسرائيلية من المنتدى قد تشمل إقامة حوار سياسي بين أعضائها، خاصة عند انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة بصفة مراقب، وبجانبها المغرب.