قال الكاتب والخبير الأمني الإسرائيلي يوسي ميلمان؛ إن الخطر الأكبر الذي ينبغي على "دولة" الاحتلال التنبه له، لن يكون قادما من إيران، بل من الضفة الغربية.
وأبدى ميلمان في مقال نشره موقع "ميدل إيست آي"، مخاوف من تفجر الضفة الغربية، بسبب تصاعد نشطاء المستوطنين المتطرفين، وهجماتهم ضد الفلسطينيين، وقال إن زعماء الاحتلال، وقادة أمنها، يعلمون جيدا جدا أن الوضع القائم في الضفة الغربية خداع.
وتحدث عن عاملين مهمين في العام 2022، الأول يتعلق بصحة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والآخر بصحة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وما سيحدث في الضفة عقب وفاته.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
يقرع زعماء الاحتلال طبول الحرب ضد إيران، ولكن العنف الذي يمارسه المستوطنون يتزايد في ظل تمتعهم بحصانة من المساءلة والمحاسبة، ولذلك يجدر بهؤلاء الزعماء التركيز على القضايا الأقرب إلى عقر دارهم
على الرغم من تغير الحكومة قبل ستة شهور، الأمر الذي حرر الإسرائيليين من جعجعة وتحريض قبضة بنيامين نتنياهو المحكمة على السلطة، يبدو أن عام 2021 لم يأت إلا بالمزيد من نفس الأمور، وعلى جميع الجبهات.
فقد استمر سلاح الجو الإسرائيلي في مهاجمة مخازن المواد المتفجرة وغيرها من الأهداف في سوريا، ليس فقط بدون أي صعوبة، ولكن على الأغلب بتشجيع ضمني من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فمن الواضح للمراقبين الإسرائيليين والسوريين والإيرانيين والغربيين أن بوتين يريد وضع حد للوجود الإيراني داخل سوريا، وإنهاء الدعم الإيراني لحزب الله في لبنان.
ويمكن تلمس الدليل على ذلك من آخر هجمات إسرائيلية على سوريا، التي يقال إنها استهدفت مواقع إيرانية هذا الأسبوع داخل ميناء مدينة اللاذقية – مركز القوات الروسية في سوريا. وقد لوحظ أن الدفاعات الجوية السورية لم ترد على الهجمات، وسبب ذلك بحسب تفسير موسكو هو وجود طائرات روسية في الجوار.
يُحتفظ بحالة من الهدوء على امتداد جبهة الحدود الإسرائيلية اللبنانية، بما يدل على أن الردع قد أتى أكله في الجانبين. فحزب الله، الذي وهن بسبب الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، لا توجد لديه أي نوايا للانجرار نحو حرب مع إسرائيل. في نفس الوقت، تردع إسرائيلَ صواريخُ حزب الله التي يقدر عددها بما يقرب من 140 ألف صاروخ، بإمكانها أن تصل تقريبا إلى أي نقطة داخل الأراضي المحتلة، سواء كانت هدفا عسكريا أم مدنيا.
ولكن بينما يوشك عام 2021 على الأفول، يعكف زعماء الاحتلال وقادتها العسكريون مرة أخرى، كما لو كانوا يؤدون شعائر دينية، على قرع طبول الحرب ضد إيران، وغايتهم من ذلك إعطاء الانطباع بأن التهديد النووي الإيراني، هو أكثر القضايا إلحاحا وإشكالا على الأجندة الإسرائيلية خلال السنة المنصرمة.
ولكن في حقيقة الأمر يؤدي تسعير إسرائيل لنيران الحرب ضد إيران دور الأحبولة لتحقيق غايتين محليتين.
أما الغاية الأولى، فهي تحسين صورة جيش الاحتلال وإثبات صلاحيته من أجل المطالبة بزيادة الميزانية العسكرية. وبالفعل، على الرغم من جائحة كوفيد-19، التي دفعت بكثير من الإسرائيليين نحو تخفيض مستوى معيشتهم، فإن القطاع الوحيد الذي تمكن من عصر زيادة في الميزانية من الحكومة الهشة سياسيا، هي المؤسسة الأمنية العسكرية ذات النفوذ القوي، التي زادت ميزانيتها بما يقرب من 3 مليار دولار، بينما تقلصت ميزانيات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والصناعة والسياحة والرياضة والمجالات الثقافية الأخرى.
وأما الغاية الثانية من رفع وتيرة الخطاب الإسرائيلي المعادي لإيران، فهو التعمية على أهم تحد يواجه الدولة اليهودية، ألا وهو القضية الفلسطينية.
في الظاهر يبدو عام 2021 هادئا أيضا على جبهات الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد تكرس الوضع القائم، والمتمثل في الاحتلال، وزادت وتيرة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي وتعزز التعاون الأمني بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية. ومما ساعد كذلك في زيادة إحساس الاحتلال بأنها قوة لا تهزم، تسارع الخطى في تطوير العلاقات مع كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، حيث توجد الآن سفارات في تل أبيب وأبوظبي والرباط والبحرين، وفتحت الأجواء أمام السياح والزائرين، وتعززت الروابط الاقتصادية وزاد التعاون السري العسكري والاستخباراتي.
وحتى العنف الذي وقع في شهر أيار/مايو – الذي شهد مداهمات إسرائيلية للمسجد الأقصى وما تبع ذلك من إطلاق حماس للصواريخ على القدس، ثم انتشار أعمال الشغب في أنحاء المدن المختلطة إسرائيليا وفلسطينيا داخل الأرضي المحتلة، ثم قصف غزة – خفت حدته بعد أسبوع أو أكثر بقليل وعاد الاستقرار بشكل أو بآخر. إلا أن الأسابيع الأخيرة من المفروض أن تكون قد شكلت إنذارا للجانب الإسرائيلي، وأن تكون مؤشرا على ما قد يكون عليه الحال في السنة المقبلة.
تزايد القلاقل
كان مأمولا أن تقوم الحكومة الجديدة، بقيادة نفتالي بينيت وبوجود مشاركة كبيرة من ممثلي اليمين المعتدل والوسطيين والسياسيين اليساريين داخل حكومته، بترويض المستوطنين الإسرائيليين الذين ينتمون إلى التيار القومي المتطرف. إلا أن العكس تماما هو الذي حدث.
استمر المستوطنون الإسرائيليون في الضفة الغربية المحتلة، وبشكل متزايد خلال الشهرين الأخيرين، في الاعتداء على الفلسطينيين الأبرياء. اقتلع المستوطنون أشجار الزيتون واجتاح فتيانهم القرى لإثارة حفيظة الفلسطينيين المحليين، الذين تعرضت في كثير من الحالات سياراتهم للإتلاف واعتدي على بعضهم. تقع كل هذه الحوادث على مسمع ومرأى قوات الأمن الإسرائيلية التي تغض الطرف وتسمح للغوغاء بشن هجماتهم العنيفة.
من المؤكد أن مثل هذا السلوك الإسرائيلي يساهم في ارتفاع عدد الحالات التي يلجأ فيها الفلسطينيون لاستخدام الأسلحة النارية للهجوم على المستوطنين وعلى قوات الأمن الإسرائيلية. وبغض النظر، يُعتقد بأن حماس تقف وراء بعض هذه الحوادث، التي ترى فيها إسرائيل محاولة لضرب إسفين بينها وبين السلطة الفلسطينية، سعيا لوقف التعاون الأمني بين الجانبين.
لست مقامرا ولا متنبئا، ولكنني سأجازف بتقدير أن عام 2022 لن يشهد حربا بين إيران والاحتلال ولا بين الاحتلال وحزب الله، ولن تنشب حرب شاملة مع حماس كذلك، ربما فيما عدا بعض المناوشات.
أما المجهول الأكبر، فهو ما سيحدث في الضفة الغربية. ثمة تطوران من شأنهما أن يهزا الوضع القائم. وهما يتوقفان على صحة وشيخوخة كل من الملك سلمان، عاهل المملكة العربية السعودية، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
فيما لو توفي الملك السعودي، الذي يبلغ من العمر خمسة وثمانين عاما ويندر أن يشاهد على الملأ، وحل محله ولي عهده محمد بن سلمان، فمن الممكن توقع أن تعلن المملكة جهارا عن علاقاتها مع إسرائيل، وتقيم علاقات دبلوماسية رسمية وارتباطات تجارية معها، بالإضافة إلى الصفقة العسكرية والاستخباراتية السرية التي تم إبرامها بالفعل ويتم العمل بموجبها. ولكن في نفس الوقت، وعلى النقيض من القيادتين في الإمارات والبحرين، يتوقع أن يطالب محمد بن سلمان كشرط بأن تقدم إسرائيل تنازلات تؤدي إلى حدوث تقدم في محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية.
وإذا ما توفي عباس، البالغ من العمر ستة وثمانين عاما، فسوف تواجه السلطة الفلسطينية صراعا مريرا على السلطة، وقد تبرز قيادة جماعية، يكون من ضمنها محمد دحلان، وتستمر لبعض الوقت على الأقل.
على كل حال، يعلم زعماء الاحتلال وقادتها الأمنيون جيدا جدا، أن الوضع القائم في الضفة الغربية خداع.