يتغير دماغ الإنسان مع تقدمه في العمر ونموه على الأرض، لكن ماذا يحدث للدماغ البشري بعد بقائه في الفضاء لفترة طويلة؟ حاول علماء الإجابة عن هذا السؤال الغامض في دراسة جديدة نشرت مؤخرا.
اكتشف علماء وباحثون عن طريق تعاون بين وكالة الفضاء الروسية روسكوسموس وبين وكالة الفضاء الأوروبية، الطريقة التي يتغير فيها دماغ رواد الفضاء بعد سفرهم إلى الفضاء والعودة إلى كوكب الأرض.
وأظهر العلماء في بحث جديد نشر في مجلة "Neural Circuits" العلمية كيف يتكيف الدماغ مع رحلات الفضاء، ووجدوا أن الدماغ "تم إعادة توصيله" تقريبا، حيث تحدث تغييرات في السوائل والشكل. وأن هذه التغييرات يمكن أن تستمر لأشهر بعد عودة الشخص إلى الأرض.
قال فلوريس وويتس ، الباحث في جامعة أنتويرب في بلجيكا، إن التغييرات الدماغية الغريبة التي لاحظها الفريق كانت "جديدة كليا وغير متوقعة أبدا".
كيف درس العلماء دماغ رواد الفضاء؟
درس فريق البحث الدولي أدمغة 12 من رواد الفضاء الذكور قبل وبعد فترة وجيزة من رحلاتهم إلى محطة الفضاء الدولية، في رحلات استغرقت أكثر من 5 أشهر ونصف وبعد عودتهم إلى الأرص لمدة لسبعة أشهر أيضا.
درس العلماء المرونة العصبية وركزوا على عمليات الاتصال داخل أدمغة رواد الفضاء وقاموا بإجراء التحليلات الهيكلية لأدمغة رواد الفضاء.
واستخدم الفريق تقنية تصوير الدماغ تسمى ألياف الجرافيت، وهي تقنية إعادة بناء ثلاثية الأبعاد تستخدم بيانات من التصوير بالرنين المغناطيسي، لدراسة البنية والاتصال داخل الدماغ.
"أعطى جهاز تتبع الألياف الضوئية نوعًا من مخطط الأسلاك للدماغ. دراستنا هي أول من استخدم هذه الطريقة المحددة لاكتشاف التغيرات في بنية الدماغ بعد رحلة الفضاء. ركز التصوير بالرنين المغناطيسي إلى البنية على مستوى المادة الرمادية (مثل المعالجات الدقيقة في الكمبيوتر الشخصي) والمادة البيضاء (الوصلات الموجودة على اللوحة الأم لجهاز الكمبيوتر، بين جميع وحدات المعالجة). كما ركز التصوير بالرنين المغناطيسي على السائل في الدماغ ، يسمى السائل الدماغي الشوكي (CSF)".
ما الذي تغير في الدماغ؟
وقال وويتس: "بعد رحلات الفضاء، يبدو أن هذه الهياكل قد تغيرت، ويرجع ذلك أساسًا إلى التشوهات الناتجة عن تغير السوائل الذي يحدث في الفضاء". ومن المثير للاهتمام أن الفريق وجد أيضا زيادة في المادة الرمادية والبيضاء. تسهل المادة البيضاء في الدماغ التواصل بين المادة الرمادية في الدماغ وبين المادة الرمادية وبقية الجسم، بحسب المقال المنشور في مجلة "livescience" العلمية.
بالإضافة إلى هذا التحول في السوائل، لاحظ الفريق تغيرات في الشكل في الدماغ، وتحديداً في الجسم الثفني، وهو عبارة عن حزمة كبيرة من الألياف العصبية والتي وصفها العلماء في البيان بأنها "الطريق السريع المركزي الذي يربط بين نصفي الدماغ".
"وجد الباحثون تغيرات في الروابط العصبية بين عدة مناطق حركية في الدماغ. المناطق الحركية هي مراكز الدماغ حيث يتم بدء أوامر الحركات. في حالة انعدام الوزن، يحتاج رائد الفضاء إلى تكييف استراتيجيات حركته بشكل جذري، مقارنة بالأرض. تظهر دراستنا أن دماغهم أعيد توصيله، إذا جاز التعبير".
وتعتبر هذه الدراسة جزء من مجموعة متنامية من الأبحاث التي تستكشف بالضبط كيف تؤثر رحلات الفضاء، وخاصة السفر في الفضاء لفترات طويلة، على جسم الإنسان. وأكد العلماء أن هذه لا تعتبر نهاية فهمنا للموضوع، لكنها تكشف عن رؤى جديدة حول كيفية تأثر الدماغ، وهي معلومات يمكن للباحثين استخدامها لتقديم حماية أفضل عند ذهابهم إلى الفضاء.