29.45°القدس
29.21°رام الله
28.3°الخليل
31.53°غزة
29.45° القدس
رام الله29.21°
الخليل28.3°
غزة31.53°
الخميس 17 يوليو 2025
4.5جنيه إسترليني
4.74دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.91يورو
3.36دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.5
دينار أردني4.74
جنيه مصري0.07
يورو3.91
دولار أمريكي3.36

في شوارع غزة ..

خبر: "كراكيع" هرمت وحكايا يعرفها الإسفلت

عيناي مُصرّتان على الغرق في غواية العودة إلى النوم رغم أنني الآن أركب سيارة فاخرة طلبتها من مكتب التاكسيات القريب من بيتنا متجهاً إلى عملي في مدينة غزة . الهدوء يسيطر على السيارة ولا يقلق راحتي داخلها سوى المطبات التي تزعج كل مفاصل هذه السيارة التي ما خلقت لشوارع غزة كما يقول السائق الذي لم أعطه الفرصة للاستطراد في الحديث لأني "مش مصحص" بصراحة. "سيارة السلامة على الطريق" قطعت صمت السائق فصرخ بصوت أهدا عيني الناعستين انتباهه رغم مقاومتهما لمحاولات إزعاجهما بقوة "حملة ربنا يستر" . الشرطي يتفحص الأوراق الخاصة بالسيارة، عين على الأوراق وأخرى ترمق السائق الذي بدا متماسكاً على عكس العادة ، وفجأة قال له الشرطي:"إنت موظف حكومي ما بتعرف انو انت ممنوع تشتغل سواق على الخط ". كما فاجأتني كلمات الشرطي فاجأني رد السائق الذي أخرج مبتسماً وبكل هدوء ورقة من جيبه مفادها حصوله على إذن خاص من وزارة الداخلية يمنحه قراراً استثنائياً يسمح له بالعمل كسائق أجرة . الخمسيني أبو عادل والذي تحول شعر الشباب الأسود الكثيف ،الذي رتبه جيداً قبل صعوده لسيارته الأولى قبل ربع قرن على الأقل، وكأنه سحابة ثلجية تكسو رأسه ، يرى أن الطمع هو الذي يدفع من وصفهم بـ"الجهال" إلى الخروج للعمل على سياراتهم الخاصة "الأربعة راكب" رغم تقاضيهم راتباً وهم جلوس في منازلهم دون أي خدمة يقدمونها للمواطنين بفعل الانقسام السياسي . "كراكيع".. عجائز في أعمارها والتجاعيد غماز مكسور وشنطة مغلقة ومفتوحة في آن واحد وسقفها يكاد يسقط على ركابها .. تذهب جيئة وذهاباً ، عفا عليها الزمن .. سائقوها من الشباب وكثير من الناس يصفونهم بـ"الطائشين" .. " لا التزام بالإشارات ولا معرفة بأخلاق وقواعد السير فالسياقة فن وذوق وأخلاق" يقول أبو عادل . آلاف السيارات في غزة لعل صنّاعها لم يعلموا أنها ستبقى على قيد الحياة تعمل إلى يومنا هذا .. فبعضها تجاوز عمره نصف القرن تزيد وتنقص .. تعاني وتشكو إلى الإسفلت قسوة الزمان التي تزيد أضعافاً عن قسوته بسبب تشققاته المتعددة وحفره التي لا تعد ولا تحصى . فالسيارة من نوع "سوبارو" ، "أوبل"، "فيت"، "بيجو" وغيرها من الأنواع لم يصنعها من صنعها لتكون سيارة أجرة لكنها تحولت إلى ذلك وبقدرة قادر. ليس هذا فحسب بل أضحت تحمل ترخيصاً رسمياً في كثير من الأحيان يسمح لها بذلك وتعددت التقسيمات "عمومي داخلي" و"عمومي خارجي"ومسميات ما أنزل الله من سلطان ، فرضتها الحالة المعيشية الصعبة وظروف الحصار التي أحاطت بقطاع غزة حسب مطلعين . السائقون "الخبرة" يشتكون "ولدنة" سائقي سيارات الأربعة راكب فهم لا يلتزمون بقوانين السير ولا الإشارات ولا يعرفون منها إلا اسمها ، علاوة على عدم التزامهم بخط سيرهم فيعملون على الخطوط الخارجية و"يسرقون" على عينك يا تاجر من أمام المواقف التي اكتظت بالسيارات المخصصة للنقل الخارجي وانتظرت لساعات طويلة . الوضع الاقتصادي الصعب و"زنقة" آخر الشهر وتراكم المصائب الحياتية تفرض نفسها مبرراً على ألسنة هؤلاء المتهمين بـ"سرقة الركاب" والطمع ، فتأخر رواتبهم كما يقولون يخنقهم ، وغلاء الأسعار يلاحق جيوبهم التي ترهلت بفعل أمراض الفلس وكلمة "هات" على الطالع والنازل التي لا ترحم ، هذا عن الموظفين السائقين. أما الغلابا أو ما يطلقون على أنفسهم "الأرزقية" فسياراتهم في الغالب "كارات" كما يطلق عليها السكان في قطاع غزة فيتذرعون بحاجتهم للقمة العيش وعند سؤالهم عن خطورة قيادة سيراتهم المتهالكة يضحكون ويوقولن في الغالب " شو نعمل بعدين الناس اتعودت" وفي ذات الوقت يرفضون أي حملة تهدف للارتقاء بأحوال الطرق ويعتبرون ذلك قطعاً للرزق وتضييقاً على الناس ويختمون كلامهم "يحلوا عنا خلينا نشوف لقمة عيشنا". "السيارات التي تعمل على خطوط المواصلات في قطاع غزة جميعها تخضع لفحوصات ميكانيكية للتأكد من صلاحيتها للعمل ، ونحن لا نعطي السائقين الترخيص إلا بعد إكمال كافة إجراءات السلامة المرورية بما يضمن سلامة وحياة المواطنين الذين يسيرون في الشوارع " يقول حسن عكاشة مدير السلامة المرورية في وزارة المواصلات في تصريحات إعلامية أكثر من مرة . لكنه يستدرك المصيبة ويوضح أن هناك سيارات قديمة غير صالحة تعمل في مخيمات ومدن قطاع غزة متخفية عن أعين شرطة المرور – لابسة طاقية الإخفاء يعني محنا كل يوم بنتصبح وبنتمسى فيها-يقول مواطنون . الجهات الحكومية المعنية كمن يحفر في الصخر ويرتب المربعات فوق الدوائر والمثلثات تحاول ترتيب أوراقها في ملف المركبات لكنها تبقى حائرة بين الوضع الاقتصادي الصعب وردة الفعل تجاه أي خطوة قد تتخذها ضد السيارات القديمة كونها تعتبر "قطيعة رزق" وبين الإرادة الجادة لتحسين وضع المركبات التي تسير على الإسفلت الذي بات يعرف كل الحكايات ولعله يقول " اللهم فرّج الهم". "كراكيع" هرمت وحكايا يعرفها الإسفلت "كراكيع" هرمت وحكايا يعرفها الإسفلت