منذ أن أعلن الرئيس ياسر رحمه الله في العام 1988 في الجزائر أن لنا دولة, قامت لنا دولة, لم نكن قادرين وقتها أن نفهم معالمها, ولكنها كما في كتاب الجغرافيا, فيها بحر ونهر, وحواجز كثيرة ومستوطنات, وجبال, ومطار, وبشر, وبهائم, وبيوت من الباطون والأسبتس, والأبراج, وضعوها في سلةِ واحد, وقاموا بخَضِّها جيداً كما اللبن الرَّايِبْ, وقالوا لنا: ها هي دولتكم, وقسِّموها كما شئتم. هكذا قال لنا أستاذ الجغرافيا الأصلع, فلن تخرج في رأسه شعرة, حتى تنبت كائنات حية في البحر الميت, قال لنا: أن دولتنا مثل حذاء بدون ربَّاطْ, فهو يُفَضِّلْه, لأنه سهل اللَّبسِ والقلع, ودولتنا تلك المعلنة كانت سهلة اللبس والقلع. كنت واقفًا على إذاعة المدرسة في الصف الأول الإعدادي أحتفل بعيد الاستقلال, وكان أبي في غزة يغادر أول الأسبوع, ويعود آخره, ينام هناك, لأن حاجز" أبو هولي" كان يقسم قطاع غزة إلي قِسمين, فغزة والشمال في ناحية, وخانيونس والجنوب في ناحية أخرى, وكذلك الضَّفة في ناحية, والداخل المحتل في ناحية, فعلمت أنها دولة سهلة القلع واللبس فعلاَ كما شرحها لنا أستاذ الجغرافيا. اليوم نعيد الكَّرَة ونريد التوجه للأمم المتحدة, نشترى من هناك دولة, حسب المواصفات العالمية لمفاهيم الدول, وشكلها, ولونها, مالها, وولدها, كل ما تحتويه المعاني الحديثة لكينونة وكيان الدول, ولا أعلم هل هناك تباع الدول, أم لا؟! وما طبيعة المزاد في الأمم المتحدة؟! يريد دولة, نريد دولة, كلنا مع الدولة.. أنا شخصياً أدعو الجميع ليكون مع الدولة, وهيَّأ بنا جميعاً, نقف عن كراسِيِّنا, ونركب "سيَّاراتنا", وباصاتنا, والتَّكَاتِك, والفِزبْ, والبسكليتات, والكارات, ونأخذ نسائنا, وأبنائنا,وأموالنا, ولنبتهل هناك في الأمم المتحدة, ولنشترى الدولة, ثم نعود, نضعها في السيارات ونغني, ونصفق, ونرقص, ونطبل, ونغني "جينا وجينا وجينا, جبنا الدولة وجينا", وبعدين وين ما بِدْنا نْحطْها بِنْحطها. ولكن قبل الدولة, نريد جواز سفر من الرئيس, فكيف أكون فلسطيني في دولة, وبدون جواز سفر, أريد أن يخرج أخي وابن عمي من سجون الرئيس, وكيف تكون دولة بدون مصالحة, ويا ترى ما مصير "الكُوبُونات" في الدولة الجديدة, هل ستبقى أم تنقطع؟ وهل سيتم أخذ الدَّولة على رام الله وتكون غزة بلا دولة... ما احنا شاريِين, شَارْيِين, لماذا لا نشتري أكثر من دولة. دولة بمخافر, وبلا جواز, وبمليون حاجز, وبلا كهرباء, ولا ماء, ولا كُوُبون, ولا حتى مجاري, ولا شوارع, دولة معنوية تشعرنا بأننا أبناء دولة, دولة بجانبها احتلال وفوقها, ومن أسفلها, ومن بحرها ونهرها. هل هذه دولة, غرفة وحمام ومطبخ مشترك, وفيها مليون نفر, متزوجون, وغير متزوجون, وبها ما بها من المصائب , هي دولة, على شكل "درابزين" في عمارة, أو طَبْلون كهرباء, لا يهم إن كانت على "طَلْعَةَ" أو على "دَحَلَة" أو على شكل أصبع من "المرتديلا", أو علبة كولا "دايت" ونطلقها في تُرِّيعة لعينة, ونقول "لنا دولة بحكومتين, ووزارتين, ومليارات الدولارات من الديون.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.