9.63°القدس
9.32°رام الله
7.75°الخليل
15.55°غزة
9.63° القدس
رام الله9.32°
الخليل7.75°
غزة15.55°
الإثنين 25 نوفمبر 2024
4.65جنيه إسترليني
5.22دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.86يورو
3.7دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.65
دينار أردني5.22
جنيه مصري0.07
يورو3.86
دولار أمريكي3.7

مستثمرون يتخلصون من سندات مصرية بنصف قيمتها.. ما دلالته؟

أزمة جديدة تواجه مصر في سوق السندات الدولية على خلفية قرارات رفع الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة 3 مرات خلال النصف الأول من 2022 لمستويات قياسية وتاريخية، إذ عجزت السندات الدولارية المصرية عن الصمود أمام الطروحات المقومة بالفائدة الجديدة ما تسبب لها في خسائر تعدت نصف قيمتها.

وقالت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، الأربعاء، إن السندات الدولارية المصرية -ورقة مالية تصدرها الحكومة مقابل الدين الخارجي للدولة، وتباع وتشترى بالأسواق الأجنبية- تشهد عمليات بيعية قوية بما جعلها تتداول دون قيمتها الأساسية.

وأوضحت أن السندات الممتد أجلها إلى عام 2040 تتراجع بنحو 57.581 سنت في الدولار، بينما جرى تداول العديد من الإصدارات الأخرى بانخفاضات ما بين 60 و65 سنتا، بحسب بيانات منصة التداولات الإلكترونية للسندات "تريدويب".

والخميس، كشفت وكالة رويترز أن السندات السيادية الدولارية المصرية شهدت انخفاضا جديدا، وفقا لبيانات تريدويب، وتراجعت السندات ذات الآجال الأطول بما يصل إلى 1.3 سنت في الدولار لتسجل مستوى قياسيا جديدا.

الوكالة علقت بقولها إن "السندات التي تصدرها مصر، المعتمدة بشدة على تدفقات رأس المال، في الخارج تعرضت لضغوط منذ أن قلصت الحرب الروسية الأوكرانية إمدادات القمح ودفعت أسعار المواد الغذائية للارتفاع".

ولفتت إلى أن البيانات أظهرت أن السندات التي يحل أجلها في 2040 انخفضت 57.581 سنت في الدولار، بينما جرى تداول العديد من الإصدارات الأخرى بانخفاضات ما بين 60 و65 سنتا.

ومع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس 15 حزيران/ يونيو الماضي، ثبت البنك المركزي المصري سعر الفائدة عند 11.25، و12.25، و11.75 بالمئة، على أسعار عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي.

"خلفيات الأزمة"

تلك البيانات المقلقة للسوق المصرية والمثيرة لمخاوف الخبراء، تأتي في ظل تراجع حاد بسعر الجنيه المصري منذ آذار/ مارس الماضي من معدل 15.65 إلى 18.82 جنيه للدولار، اليوم الأحد، إذ فقدت العملة المحلية أكثر من 16 بالمئة من قيمتها لتصل أدنى مستوى منذ 5 سنوات.

وتعاني البلاد من أزمة مالية طاحنة وعجز في الموازنة، وتراجع قدرتها على توفير العملات الأجنبية لشراء السلع والمستلزمات الأساسية وخاصة القمح في ظل ارتفاع سعره منذ الحرب الروسية الأوكرانية 24 آذار/ مارس الماضي، فيما وصلت نسب التضخم لـ15.3 بالمئة عن أيار/ مايو الماضي، بحسب بيانات رسمية.

تلك الأوضاع تأتي في ظل إعلان المركزي المصري في حزيران/ يونيو الماضي، تراجع صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي، للشهر الثامن تواليا إلى سالب 305.1 مليار جنيه تعادل -16.26 مليار دولار بنهاية أيار/ مايو الماضي من 239.44 مليار جنيه بنهاية نيسان/ أبريل، بحسب وكالة رويترز.

وتشير أسعار الفائدة العالمية الأعلى من مصر، بجانب ضعف قيمة العملة المحلية "الجنيه"، مع مخاوف وحذر المستثمرين حيال الأسواق الناشئة، إلى أن مصر ستجد صعوبة في تمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار بالموازنة العامة للعام المالي مع أول تموز/ يوليو الجاري.

"الاعتراف بالخطأ"

وطالما انتقد خبراء مصريون اعتماد مصر على "الأموال الساخنة" أو استثمار الأجانب في أدوات الدين عبر  السندات الدولارية وأذون الخزانة والمضاربات بسوق الأوراق المالية، وهي المخاوف التي تحققت بالفعل بخسارة مصر نحو 20 مليار دولار أمريكي منذ كانون الثاني/ يناير الماضي.

ورغم أن الحكومة المصرية اعترفت مؤخرا بخطأ توجهها هذا وبمخاطر الأموال الساخنة وهروبها وقت الأزمات وجنيها الأرباح فقط، وبدأت السعي إلى استثمارات حقيقية، إلا أنه يبدو أن الاعتراف جاء متأخرا، وبعد خسارة كبيرة لسمعة الاقتصاد المصري.

وخلال لقاء بغرفة التجارة الأمريكية، الاثنين الماضي، اعترف وزير المالية المصري، محمد معيط، بخروج 55 مليار دولار "أموالا ساخنة" من مصر في 4 سنوات، مؤكدا أن "الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة".

ورغم أن معيط أعلن عن رغبة بلاده في الحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر كبديل للأموال الساخنة، إلا أنه أكد اعتماد مصر على  سياسة الاقتراض من بنوك دولية وأوروبية والبنك الدولي والأفريقي للتنمية، وتكرار "سندات الساموراي" اليابانية، وإصدار "الباندا" الصينية.

ووفق تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، فإن نصيب مصر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجع بنسبة 12 بالمئة، خلال عام من 5.8 مليار دولار في 2020، إلى 5.1 مليار دولار عام 2021.

"لهذا تتراجع السندات"

ويرى خبراء أن انخفاض قيمة السندات الدولارية المصري، يعني انخفاض الثقة في الاقتصاد المصري، موضحين أن مصر ستدفع نحو 13 سنتا كفائدة سنوية لمن يقوم بشراء السندات المصرية القديمة الذي اشتراها بنحو 57 سنتا فقط، كما أنها ستدفع بحلول عام 2040 أصل الدين له كاملا.

وعن السبب الرئيسي لتراجع أسعار السندات المصرية المصدرة بعملات أجنبية، قال الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، إنه "يعود إلى هبوط صافي الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي إلى المنطقة الحمراء (صافي سلبي) منذ شباط/ فبراير الماضي، مع استمرار الهبوط بقوة تحت الخط الأحمر حتى الآن".

نوار، وفي حديثه، أكد أن "قرار البنك المركزي الأخير بإبقاء سعر الفائدة على ما هو عليه، وتخبط السياسة النقدية، وتدهور سعر صرف الجنيه، وزيادة الضغوط على ميزان الحساب الجاري؛ كلها عوامل لا تشجع على احتفاظ المستثمرين بما لديهم من أوراق مالية صادرة عن الحكومة".

وتابع: "بالنسبة للبنك المركزي ووزارة المالية فإن بيع السندات المصرية بسعر خصم يصل إلى 50 بالمئة في بعض الحالات يمثل إشارة قوية إلى ضرورة رفع سعر الفائدة لتعويض انخفاض الأسعار، ذلك أن انخفاض السعر (المقام، مع استمرار سعر الفائدة البسط، على ما هو يعني محاسبيا ارتفاع العائد)، أي ضرورة رفع العائد بما يتناسب مع حالة التخلص من أوراق مالية تصنف في السوق على أنها (سندات رديئة)".

وعن الحلول المقترحة، يعتقد الخبير المصري، أن "حصول مصر على قرض صندوق النقد الدولي، وتخفيف الضغوط على ميزان الحساب الجاري، وزيادة الصادرات، ورفع سعر الفائدة، تمثل كلها عوامل تساعد على تهدئة الحالة في سوق السندات".

وقال إن "المعضلة الكبرى هي أنه كلما تأخرت هذه الإجراءات زادت محنة الجنيه، واتجه المستثمرون إلى بيع ما في حوزتهم، وأيضا توقفوا عن الاكتتاب في شراء سندات جديدة".

ويرى نوار، أن "الوضع الحالي يجعل الحكومة تتوسع في طرح أوراق مالية بالعملة المحلية داخليا، وهو عكس الاتجاه الذي كانت تتخذه خلال العامين الأخيرين قبل بداية تحرك أسعار الفائدة العالمية إلى أعلى".

"الجانب الآخر من المعضلة أن السياسة النقدية المتشددة في الدول الصناعية الغربية قد تستمر حتى نهاية عام 2023، وهو ما يمثل تحديا شديدا للدول ذات العملات الضعيفة"، يختم نوار.

"عصر إسماعيل"

وفي رصده لدلالات تراجع السندات الدولارية المصرية والاتجاه البيعي بأكثر من نصف قيمتها، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الأمريكي الدكتور محمود وهبة: "هناك علاقة عكسية بين سعر السند والعائد عليه، فكلما ارتفع العائد كلما انخفض سعر السند".

وفي حديثه، رصد بعض الأسباب المباشرة للأزمة مؤكدا أن "السندات يتم تداولها في أسواق ثانوية وثلاثية.. إلخ، بعد طرحها، مثل السيارة الجديدة التي تُباع وتُشترى".

وأضاف: "ولأن سعر الفائدة بأمريكا وأوروبا ارتفع بينما معظم السندات لكل الدول أو الشركات.. إلخ، تصدر بعائد ثابت فإن ارتفاع الفائدة بأمريكا وأوروبا يرغم ارتفاع العائد عليها".

وعن تداعيات الأمر على الصعيد المحلي وعلى صعيد المؤسسات الدائنة قال وهبة: "الخلاصة هذه ليست ظاهرة فريدة على مصر، والفريد على مصر هو درجة الخصم في سعر السند فهو مرتفع عن غيره لأسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي لمصر".

وعن معنى ذلك الأمر وتداعياته أكد أن "هذا الوضع يعني أن السندات المصرية الآن يمكن شرائها من السوق الثانوية فيقل الإقبال على السندات الجديدة التي قد تطرحها مصر".

وأشار إلى أن "مصر أعلنت بالفعل أن السوق العالمية غير مواتية الآن لإصدار سندات أو صكوك دولية، وغالبا لن يتحسن الوضع سريعا".

وأضاف: "ولأن النظام يعيش على الاقتراض، ولأن الأموال الساخنة هربت من مصر، فإن باب الاقتراض أُغلق في الوقت الحالي، ويضع هذا الحكومة على شفا الإفلاس، فإنها إن لم تقترض لن تستطيع سداد الديون المستحقة، لأنها تدفع الديون القديمة بديون جديدة".

ويرى الخبير والأكاديمي أن "هذا يشرح درجة الإلحاح الحكومية على بيع أصول لدول الخليج البترولية ولو برخص التراب، وبالاستحواذ أي نقل الملكية دون ضخ أموال جديدة لبناء مصنع أو تشغيل عمالة، فالاستحواذ ليس استثمار ولا يضيف للثروة المصرية بل ينقصها".

وختم وهبة حديثه بالقول: "مصر في وضع حرج لا مثيل له إلا فترة الخديوي إسماعيل".

"سجل فاشل"

وقال الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مصطفى يوسف، إن "دلالات تراجع السندات الدولارية والبيع بقرابة نصف ثمنها هو انعكاس مباشر للنظرة السلبية والتشاؤمية للاقتصاد المصري على المدى القصير والمتوسط والطويل".

وفي حديثه، لفت إلى أن "السبب المباشر لانهيار أسعار السندات المصرية في الأسواق الدولية هي التقارير الموضوعية عن تردي وضع الاقتصاد المصري، وانعدام الشفافية وتغلغل الفساد بشكل كبير في مفاصل الدولة المصرية".

و"كذلك غياب خطط التنمية، والفشل في اجتذاب أي استثمارات أجنبية مباشرة باستثناء قطاع النفط والغاز، وبعض الاستثمارات الخليجية الحكومية لتثبيت السلطة العسكرية مخافة عودة الربيع العربي نتيجة سياسات الإفقار والفشل الاقتصادي".

ويرى الخبير المصري أن "تداعيات انهيار أسعار السندات الدولارية هي رفع الدولة المصرية قيمة الفوائد على أي سندات تصدرها الحكومة المصرية مستقبلا حتى تجتذب أي مستثمرين محتملين وخفض متوقع لقيمة العملة".

أشار إلى وجود "اقتراحات بإصدار سندات دولارية محلية بفائدة 7 و8 بالمئة سنويا، ما ينعكس على السوق المحلي (لو تم) بالسلب نظرا لأن الحكومة ستقوم بتجفيف السوق من الدولارات ما يؤدي لخنق الشركات المتوسطة والصغيرة التي تعتمد غالبا على مكونات مستوردة لمدخلات الإنتاج".

ويرى يوسف، أيضا أن "رفع سعر الفائدة المحلية على الدولار سيؤدي لإحجام المستثمرين عن التصنيع أو الاستيراد أو عمل أي نشاط بخلاف الاستثمار بأدوات الدين، ما يجعل الحكومة المتحكم الأوحد بالنشاط الاقتصادي".

وأكد أن "السجل الاقتصادي لـ(حكومة ما يسمى بالجمهورية الجديدة منذ 2013، وطيلة 9 سنوات) سجل فاشل بكل المعايير، من ازدياد معدلات الفقر والبطالة والتضخم وانهيار قيمة العملة، والإنفاق السفهي على مشروعات ومؤتمرات عديمة الجدوى الاقتصادية، وغياب دولة القانون، والانقسام المجتمعي وانعدام الأمل في وجود دولة ديمقراطية تشاركية".

وعن سر الجدل الدائر حول تفسير أزمة تراجع قيمة السندات المصرية، عزا الأمر إلى "الأذرع الإعلامية التي صدرت لها تعليمات للترويج لهذه المؤشرات السلبية على أنها فرص استثمارية لتهدئة الرأي العام".

وأضاف: "وكذلك، شراء بعض الوقت لحين الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، ووصول الدعم الخليجي؛ بمعنى آخر جدل مفتعل ولي عنق الحقيقة والترويج لكلام مناف لأساسيات علم الاقتصاد".

"تضارب مثير"

وتضاربت تحليلات بعض الخبراء والمراقبين حول الأزمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي رأي فيها البعض أزمة ثقة في اقتصاد البلاد، أكد آخرون أنها أزمة قائمة مع كل الاقتصاديات الناشئة ولا تخص مصر ولا اقتصادها ولا عملتها المحلية فقط.

رئيس مركز طيبة للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور خالد رفعت، أكد أن طرح المستثمرين الأجانب السندات الدولارية المصرية للبيع بنصف ثمنها يعني "عدم ثقتهم في إمكانية استرداد أموالهم عند ميعاد الاستحقاق".

ووفقا لرسم بياني من بورصة شتوتجارت للسندات، أوضح رفعت، أن سعر السندات المصرية المباعة في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 وتستحق عام 2060 يجري بيعها بعد 9 أشهر بنصف الثمن رغم أن معدل الفائدة عليها 7.5 بالمئة سنويا، وأنهم لم ينتظروا موعد استحقاق أول فائدة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022.

وعلى الجانب الآخر، قال الأستاذ الزائر في الاقتصاد والتمويل‏ بجامعة القاهرة أحمد السيد، إن الهبوط ليس مصريا فقط، مشيرا إلى أن "سندات الدول الناشئة الدولارية تنزل نزولا حادا من شباط/ فبراير الماضي"، مؤكدا أن "انهيار السندات الدولارية القائم منذ فترة ليس شهادة على فشل الاقتصاد ولا انهيار الجنيه".

وقدم السيد روشتة سريعة للحل تتمثل في: "ضرورة الاتفاق مع صندوق سريعا ليطمئن المستثمر ويستقر سعر الصرف، والتحرك لقيادة حركة دولية تطالب بتأجيل جزء من ديون الدول المتضررة لمدة عام، مع الاستمرار في خطة الدعم الخليجي، وشراء البنك المركزي بعض تلك السندات الدولارية".

المصدر: فلسطين الآن