بنك من المعاناة تجمعت فيه كل أرصدة المرض، ونمت بداخله فوائد تجربة نضالية امتدت لعشرات السنين، مستمدا ذلك من حسابات والده وأخواله النضالية، وعائلة استثمرت حياتها في المقاومة، فنمت أسهمها أكثر وأكثر. هو الأسير المحرر والجريح عمر محمد عفانة "50 عاماً" من قرية تل غربي نابلس، وسكان المدينة حاليا، تجد أنك أمام "بنك، من المعاناة، ورصيد كبير من النضال، وجزء من عائلة مناضلة، ورغم كل معاناة عمر عفانة وآلامه، تجده بشوش الوجه، مرددا "الحمد لله على كل حال .. الله ينصر شعبنا". لم تكن البداية في حياة عمر عفانة بإصابته أو اعتقاله، وإنما باستشهاد شقيقه الأكبر فتحي عام 1981 في بيروت، حيث كان مرافقا للقائد الشهيد خليل الوزير، بعد أن قصف طيران الاحتلال إحدى القواعد العسكرية بهدف اغتيال بعض القيادات وعلى رأسها القائدان الشهيدان ياسر عرفات وخليل الوزير، وفي العام التالي 1982 قامت مخابرات الاحتلال باغتيال الحاج محمد عفانة "أبو فتحي" والد عمر، وفي ذات الليلة من الاغتيال تم نسف منزله واعتقال والدة عمر "أم فتحي" وإيداعها السجون لفترة ثمانية شهور بتهمة مساعدة الفدائيين وحيازة السلاح، بعد أن تعرضت لتحقيق لا يقل خشونة عن ذلك الذي يمارس مع أعتى المناضلين. [title]والد عمر عفانة .. نضال عتيق[/title] يروى عفانة قصة والده مع النضال، مشيرا إلى أن تجنيده مع الثورة كان على يد القائد الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد، الذي أعجب بشخصيته القوية وأمانته رغم انه لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره في ذلك الحين، وفي فتره وجيزة، اثبت عفانة قدرته على التحمل وبلغ من العمر ما يؤهله لأن يحمل البندقية فاعتمد عليه الثوار بكثير من المهام، وفي عام 1946 تعرف على القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، الذي تبناه وأعجب بجرأته وشجاعته، وبقي مقربا من الشهيد الحسيني، وشارك في أهم المعارك التي خاضها الثوار ومن بينها، معركة القسطل التي استشهد فيها الحسيني، فيما أصيب عفانة. بعد ذلك، لاحقه الاحتلال البريطاني وحكم عليه بالإعدام غيابيا وبقي مطاردا ومقاتلا، وفي نهاية الخمسينيات تزوج عفانة من المرحومة مريم عبد الله أبو هنية "أم فتحي"، وكان أشقاؤها من بين الفدائيين الذين انتظموا مع عفانة في القتال. ومع بداية تأسيس حركة فتح تم تكليفه بتشكيل خلايا عسكرية في الداخل وتدريبهم وتأمين الأسلحة حيث غادر إلى الأردن وفتح خطاً لتهريب الأسلحة وتخزينها إلى حين تجهيز مجموعات فدائية، وتسلم قيادة العمل العسكري لحركة فتح في الضفة الغربية، وكان على اتصال مباشر بقائد الثورة الشهيد ياسر عرفات، وتنقل معه في العديد من أماكن تواجده في نابلس القديمة، وبيت فوريك وقباطية، وفي منطقة عين المزراب في جبال قرية تل. وكان الشهيد عفانة من أوائل المطلوبين على مستوى الوطن حتى عام 1969حيث تمت محاصرته في منزل بمخيم عين بيت الماء غرب من نابلس، وعندما طلبوا منه الاستسلام عبر مكبرات الصوت، بادر بإطلاق النار هو ومن معه من الفدائيين الذين تمكنوا من قتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال، فيما أصيب عفانة بعدة طلقات في خاصرته وساقيه، بعد أن تم قصف المنزل وتدميره بالكامل، وتم اعتقاله ومن معه، واستشهد احد رفاقه، وعلى الفور توجهت قوة من الجنود إلى قرية تل، وتم هدم المنزل. عام 1979 وفي عملية تبادل للأسرى بين منظمة التحرير وحكومة الاحتلال (عملية النورس) تم إطلاق سراحه من بين 76 أسيرا فلسطينيا، مقابل طيار إسرائيلي، وبعد إطلاق سراحه، فرضت عليه الإقامة الجبرية. واصل عفانة مشواره النضالي وضرب الاحتلال، عدة ضربات موجعة لفتت إليه نظر المخابرات الإسرائيلية، التي ما لبثت أن كلفت عملاءها باختطافه وتصفيته جسديا في مستوطنة قريبة من نابلس. بعد أن تم التحقيق معه لمدة أسبوع، وأعلن عن استشهاده في 17 رمضان من عام 1982عن عمر 53 عاما، بعد أن اقتلعوا إحدى عينيه وهشّموا ذراعيه، وسكبوا مواد حارقة على وجهه، قبل قتله. [title]بدايات عمر "النضالية"[/title] كانت بداية عمر النضالية حين كان عمره 15 عاما حيث اعتقل أربعة شهور، والتهمة كانت رفع العلم الفلسطيني في قريته "تل"، وشارك بمختلف الفعاليات الوطنية منذ ذلك الوقت. في عام 1992 اعتقل، وخضع لتحقيق شرس استمر 122 يوما، وبعد ذلك، حكمت عليه إحدى محاكم الاحتلال 4 مؤبدات و80 عاما، بتهمة تصفية أربعة عملاء ساهموا بتسهيل اغتيال والده، وكذلك تخزين وتوزيع السلاح على الفدائيين، والمشاركة في عمليات إطلاق نار على سيارات الاحتلال. عام 1996 أفرجت سلطات الاحتلال عن عمر عفانة، ضمن صفقة "طابا" التي كانت بين حكومة الاحتلال والسلطة بوساطة مصرية أردنية أمريكية، وقد اعترضت "إسرائيل"، على اسم عمر عفانة، لكن في نهاية الأمر قررت الإفراج عنه. وانخرط عمر بعد تحريره بأمن الرئاسة "قوات الـ17" بأمر من الرئيس أبو عمار. [title]إصابة قوية .. واستشهاد شقيقه[/title] عام 2002 وخلال الاجتياح الإسرائيلي الكبير لمدينة نابلس، أصيب عفانة برصاصة في كتفه، وتم نقله إلى المستشفى الميداني داخل البلدة القديمة، وبعد بضعة أيام قرر مغادرة المستشفى خشية مداهمته، برفقة اثنين من أشقائه "إبراهيم ونعيم"، لكن ما لبث أن تعرض الموقع للقصف من طيران الاحتلال، أصيب خلاله عمر بإصابات بالغة طالت رأسه وأحدثت كسرا في عموده الفقري وشظايا في ساقيه وكتفه، فيما استشهد شقيقه الرائد إبراهيم، إلى جانب ثمانية آخرين من مقاتلي القوات الفلسطينية. ويتم اعتقال عمر إثر ذلك، ورغم إصابته الصعبة، يتم تحويله إلى التحقيق. لاحقا صدر عليه حكم بالسجن الإداري، وتم تجديده عدة مرات ليصل إلى 20 شهرا، وأفرج عنه في نوفمبر 2003، حيث استقبله وكان على كرسي متحرك، أبو عمار، وأصدر أمره بمتابعة علاجه، وبالفعل تلقى العلاج، وحصل معه تحسن ملحوظ كان من أهم مظاهره انه تخلى عن الكرسي المتحرك، لكن آلام ظهره بقيت ملازمة له. [title]رحلته مع الأوجاع[/title] منذ الإفراج عنه، حاول وما زال يحاول، التعايش مع آلام ظهره وأوجاعه المستمرة، وعمل في مجال الإعلام المحلي وخاصة في ملف الأسرى، ورغم تلقيه العلاج في المستشفيات المحلية، إلا أنه شعر بأن العلاج لم يكن ذا فائدة، فحصل عام 2012 على قرض بنكي بهدف إجراء بعض العلاجات، وقبل ذلك اضطر لبيع سيارته الخاصة، وسافر إلى الأردن للعلاج، وتحسن نسبيا لمدة شهر، لكن آلام ظهره عادت وأقعدته عن الحركة، كما تلقى لاحقا العلاج في مستشفى رفيديا، وقبل مغادرة المستشفى شعر بتحسن، لكن بمجرد وصوله إلى البيت، عاودته الآلام كما كانت، وما زالت عبارته الوحيدة أمام زائريه، بعد حمد الله والثناء عليه "لا أريد من أحد سوى معالجة ظهري، أشعر بأني تعبت من مقاومة الآلام".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.