في مجال الدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتطلب من الداعي الترقق واللين، واستخدام الكلمات المنمقة للدخول إلى أعماق النفس؛ لإحداث التغيير المطلوب، وليستجيب المدعوون إلى رسالة الداعي، ولكن خلاف ذلك يحدث مع بعض الدعاة الذين يتخذون من "الغِلظة" منهجًا في دعوتهم إلى الله، ونهيهم عن المنكر، فلا يستميلون بذلك قلوب المدعوين، ولا يجنون ثمارًا، بل ينفرون الناس ويحملون الأوزار: [title]خالتي "الملتزمة" تزعجني[/title] "ملاك" طفلة لم تكمل عامها الرابع عشر، تتحدث عن استيائها من خالتها "المتشددة": "حينما أعلم بنيّة خالتي زيارتنا أهرب إلى بيت عمي الذي يعتلينا بطابق، أو أذهب إلى سريري، زاعمة النوم؛ خوفًا من التقائها؛ فهي كلما رأتني أو أيًّا من شقيقاتي الثلاث شرعت في توبيخنا ومضايقتنا لأتفه الأسباب، فمثلًا: لو ناديت أختي بلقب مازح تصرخ في وجهي متهمة إياي بارتكاب الحرام"، مضيفة: "قد يخطئ أحدنا أو يكون كلام خالتي صحيحًا، ولكن أسلوبها في نهينا عن المعاصي أو المنكر يجعلنا لا نستجيب لها". وتبيّن "ملاك" أن خالتها التي كانت في الماضي غير ملتزمة بشرع الله، وتبالغ في سفورها؛ لا تنفك تحرج شقيقاتها وأقاربها بذريعة دعوتهنّ إلى الله، وطريق الصواب، ما يجعلهنّ يرتقبن مغادرتها المنزل، ولا يرغبن رؤيتها مجددًا. [title]الرفق واللين أصلها[/title] عميد كلية الدعوة الإسلامية في المنطقة الوسطى د.شكري الطويل ذكر أن الأصل في الدعوة إلى الله أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لقوله (عز وجل): "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، وابتكار أفضل الأساليب والطرق المرغبة في الموضوع المدعو إليه، مستدركًا قوله: "حتى في حالات الجدال التي لا يقبل فيها المدعو الموعظة يجب أن نجادله بالحسنى؛ فالنبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) حثنا على الرفق في كل شيء، ولم يعهد عنه الغلظة في الدعوة". واستنكر انتهاج البعض "الغلظة" والقسوة في دعوة المخالفين، ومحاولة تغيير منكرٍ قائم، مؤكدًا أن الغلظة والقوة في الدعوة لا تكونا إلا مع الكافرين في حالة الحرب؛ لما قاله (عز وجل) في كتابه: "أشداء على الكفار رحماء بينهم". [title]مخالفة لمنهج الله ورسوله[/title] ولنجاح الداعي في تغيير المنكر أو إيصال رسالته؛ عليه الترقق إلى المدعوين واللين في خطابهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه، فيختار أجمل الأساليب، وأفضل الأوقات؛ حتى يصل للتأثير المطلوب، وفق ما بين د.الطويل الذي لفت إلى أننا مُكلّفون بالدعوة، لا إجبار الناس بالقوة. وعن عواقب الغلظة في الدعوة، قال: "إن الذي يدعو بالعنف والغلظة خالف منهج القرآن، ونهج النبي الكريم، وسيجني ثمارًا سيئة من دعوته، منها: نفور الناس من الدعوة والداعي، وعدم استجابتهم لما يقول، فالداعي يخسر ودعوته تخسر، والإسلام يخسر بذلك"، مبينًا أنه من المفترض أن يجلبهم بلينه وحلمه ورفقه، وإلا فسيكون سببًا لابتعاد الناس عن هذا الدين، ويكون بذلك مأزور غير مأجور. وفي سياق الحديث عرج د.الطويل على استخدام بعضٍ القوة في تغيير المنكر، متذرعين بحديث رسول الله الذي قال فيه: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، مؤكدًا أن المراد بالتغيير باليد ليس ضرب المخالف، بل إبعاد الناس عن المنكر، وقال: "مثلًا: إن رأيت عاصيًا معه خمر فأرق الخمر، أي استبعد وسائل المنكر".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.