كشفت العملية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الساعات الأولى من الثلاثاء 25 أكتوبر/تشرين الأول ضد مجموعة "عرين الأسود" في نابلس، عن تحولٍ في استراتيجية جيش الاحتلال تقوم على تركيز جديد لجهوده في سبيل مواجهة التحدي غير المسبوق الذي تمثله مجموعة المقاومة الناشئة بالضفة الغربية.
وزعم جيش الاحتلال أنه داهم "مختبراً لصناعة المتفجرات" تستخدمه المجموعة لصناعة القنابل الأنبوبية في البلدة القديمة بمدينة نابلس، وقتل في الوقت نفسه القيادي المؤسس لمجموعة "عرين الأسود"، وديع الحوح، وذلك بعد يومين من اغتيال القيادي في المجموعة تامر الكيلاني، عبر تفجير دراجةٍ نارية مفخخة مر بجانبها في نابلس.
لكن هل تأتي حملات إسرائيل على "عرين الأسود" بنتائج عكسية من خلال زيادة تأييد المقاومة بين الحاضنة الشعبية بالضفة
"عرين الأسود".. هل ترتد حملات الاحتلال الإسرائيلي عليه؟
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن جيش الاحتلال يكثف مساعيه في مواجهة "عرين الأسود" لسببين، أحدهما يتعلق بتصاعد رمزية المجموعة وتزايد شعبيتها، والآخر عملي يتعلق باستباق هجمات المجموعة وعملياتها في الأراضي المحتلة.
وتضيف الصحيفة أن المجموعة الجديدة، وإن لم يكن مقاتلوها ينتمون في العموم إلى أيٍّ من الجماعات المسلحة المخضرمة، فإنهم يتلقون مساندة مالية ومساعدة مادية من جميع الفصائل الفلسطينية، وقد احتشد التأييد لها بين جيل الشباب في الضفة الغربية. وتضم المجموعة عشرات من المقاومين ومئات من المؤيدين المباشرين لهم في نابلس، وتحظى منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي باهتمام وتأييد كبيرين.
وزعمت الصحيفة الإسرائيلية، نقلاً عن جيش الاحتلال، أن المجموعة أقامت مختبراً لصناعة القنابل في منزل بمدينة نابلس القديمة، وتقول إنهم وإن لم يُحسنوا بعد إعداد العبوات الناسفة شديدة التفجير، كالتي كانت حركة حماس تستخدمها لتدمير الحافلات خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، فإنهم تمكنوا من صناعة القنابل الأنبوبية ذات المسامير، وهي قنابل خطيرة وفعالة، ويبدو أن المجموعة مستعدة لاستخدامها.
"عرين الأسود" تمكنت من ترسيخ شعبية كبيرة لها بين الفلسطينيين
لا يمكن تجاهل السياق السياسي للحملات الإسرائيلية الجارية في الضفة الغربية، فلم يتبقّ سوى أسبوع واحد على الانتخابات، والحكومة الإسرائيلية لديها مصلحة مُلحَّة في إظهار أنها تواجه تهديداً جديداً ومتنامياً، وفي الوقت نفسه، فإن قوات جيش الاحتلال وجهاز الشاباك ترى أنها مُطالبة بإبداء الفاعلية، وهو ما قد يكون السبب في الحضور غير المعتاد لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك، رونين بار، في غرفة القيادة للإشراف على عملية استهداف "عرين الأسود" الأخيرة في نابلس.
أمَّا عن تأثير هذا التصاعد الجاري للعنف في شمال الضفة الغربية، وما يعقبه من رد فلسطيني متوقع، على الانتخابات نفسها، فلا يُعرف بعد. وزعمت الصحيفة الإسرائيلية أن معظم الناخبين الإسرائيليين، أو مَن داخل الخط الأخضر منهم على الأقل، يبدو أنهم ما زالوا لا يبالون كثيراً بما يجري في الضفة، ما داموا يرون أن عدد القتلى الإسرائيليين قليل. ومع ذلك، فإن استمرار إراقة الدماء قد يدفع فلسطينيي 48 إلى الإحجام عن المشاركة بالانتخابات.
على الجانب الآخر، فقد تمكنت "عرين الأسود" من ترسيخ شعبية معتبرة لها بين الفلسطينيين، وعلى الرغم من قلة المنتمين إليها حتى الآن، فإن أي ادعاء بشأن قدرة الإسرائيليين على القضاء عليها في وقت قريب يبدو ادعاء مشكوكاً فيه، فأفراد المجموعة لا يجمعهم خلفية تنظيمية معينة ولا يندرجون في هيكل هرمي واضح، ومن ثم لا يمكن تقييد المجموعة باعتقال لقائدٍ معين أو اغتيال لرمزٍ معروف.
"عرين الأسود فكرة لا يمكن منع انتشارها"
"عرين الأسود" هي فكرة أكثر من كونها هيكلاً تنظيمياً واضح المعالم، ومن ثم فهي فكرة يصعب الحيلولة دون انتشارها. واحتشاد مئات الفلسطينيين ليلاً حول مستشفى نابلس الذي نُقل إليه الجرحى وجثامين المقاومين، لهو أبرز دليل على التنامي السريع في شعبية المجموعة والصعوبة المتزايدة لقمعها.
تشير الصحيفة الإسرائيلية أيضاً إلى ازدواج في موقف السلطة الفلسطينية من مجموعة "عرين الأسود"، وبعض المنتمين إليها من المرتبطين بحركة فتح، فقد أثنت وزيرة الصحة الفلسطينية على أعضاء المجموعة في أثناء زيارة لها إلى نابلس، وأجرى رئيس وزراء السلطة، محمد اشتية، زيارة نادرة إلى مخيم اللاجئين بجنين، التقى خلالها والد رعد خازم، منفذ عملية ديزنغوف التي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين في أبريل/نيسان الماضي.
على النقيض من ذلك، تقول إسرائيل إن السلطة الفلسطينية أرسلت قواتها في وقت سابق لاعتقال بعض المنتمين إلى مجموعة عرين الأسود في نابلس، ويبدو أن السلطة فقدت هيمنتها في جنين، لكنها تحاول التمسك ببعض مظاهر السيطرة في نابلس، لا سيما في ظل الضغوط الإسرائيلية.
ارتفاع الهجمات الإسرائيلية يعني اشتعال انتفاضة جديدة
ومع ذلك، فإن الارتفاع الكبير في عدد الشهداء الفلسطينيين بالضفة الغربية أسفر عن تزايد الدعوة، حتى بين قيادة السلطة نفسها، إلى مساندة "النضال الشعبي" ضد إسرائيل. وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن الدعوات لانتفاضة شعبية لم تؤتِ أكلها على أرض الواقع بعد، إلا أن الرأي السائد في إسرائيل يميل إلى أنه كلما ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين، زادت الاحتمالات باشتعال انتفاضة شعبية فلسطينية في الأراضي المحتلة.
في غضون ذلك، ترفض الحكومة الإسرائيلية الحالية وأجهزة أمنها دعوات اليمين الإسرائيلي الشعبوية لشنِّ عملية "درع دفاعي" ثانية في الضفة الغربية، على غرار الحملة العسكرية على جنين في عام 2002. وتقول حكومة الاحتلال إن الأوضاع الآن على الأرض تختلف كثيراً عما كانت عليه في عملية جنين، وترى أن السبيل الناجع لمواجهة المقاومة في الضفة الغربية هو العمليات الدقيقة والموجهة، وليس إرسال عشرات الآلاف من الجنود للسيطرة على المنطقة.
ومع ذلك، فإن تغير مكونات الحكومة في أعقاب الانتخابات قد يدفع بالدعوات الإسرائيلية إلى شن عملية برية ضخمة لتكون على صدارة الخيارات المطروحة للمناقشة.