12.79°القدس
12.55°رام الله
11.64°الخليل
17.9°غزة
12.79° القدس
رام الله12.55°
الخليل11.64°
غزة17.9°
السبت 21 ديسمبر 2024
4.6جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.82يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.6
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.82
دولار أمريكي3.65

خبر: الحجاج بن يوسف... في ذمة الله

في الحادي والعشرين من رمضان، لعام خمسة وتسعين للهجرة، توفي في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي، عن عمر ناهز الرابعة والخمسين عاماً، وقد عده كثير من الناس في مختلف العصور، رمزاً للظلم والطغيان ، وأتصور أنه لو ترك لهذا الرجل أن يخاطب أهل زماننا الذين يصر كثير منهم على لعنه، لدافع عن نفسه وقال: أولاً: لقد أمركم ربكم سبحانه أن تتبينوا من الخبر الذي يأتيكم به الفساق، حتى لا تصيبوا قوماً بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين، وأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألَّا تقبلوا شهادة الخصم في خصمه، فقال:( لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ) ، وإن كثيراً من الأخبار التي طعنت بي، وامتلأت بها كتب التاريخ، مصدرها فساق وخصوم، نقموا عليَّ، لأني كنت والياً لأعدائهم الأمويين، ولأني طوعتهم بالقوة، وهذا ما شهد به المؤرخون المنصفون، كابن كثير الذي أكد أن معظم الأخبار الواردة عني في كتب التاريخ قد "رُوِيَتْ عَنْهُ بِنَوْعٍ مِنْ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ; فَإِنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يُبْغِضُونَهُ جِدًّا لِوُجُوهٍ، وَرُبَّمَا حَرَّفُوا عَلَيْهِ بَعْضَ الْكَلِمِ، وَزَادُوا فِيمَا يَحْكُونَهُ عَنْهُ بَشَاعَاتٍ وَشَنَاعَاتٍ" . ثانياً: أعترفُ بأني كنت شديداً على أهل العراق، وأني قتلتُ عدداً كبيراً منهم، لكنّ الذين قتلتهم، إما خوارج كفّروا الخليفة، ومن بايعه من المسلمين، واستحلوا دماءهم، وقتلوا كثيراً منهم، وإما عصاة جبنوا عن قتال الخوارج، وتقاعسوا عن الجهاد، وعرّضوا وحدة الأمة والخلافة للخطر، وإما متمردون على الخليفة عبد الملك بن مروان، نكثوا بيعته وانضموا إلى ابن الزبير، ثم إلى ابن الأشعث، وأرادوا أن يفرقوا الأمة الموحدة، ويحطموا الدولة المسلمة، ويعرضوها لخطر الأعداء المتربصين بها، ويصنعوا فتنة هي عند الله أشد من القتل. وأنا عندما قاتلتهم وقتلتُهم، كنتُ والياً على العراق، في عنقي بيعة لخليفة شرعي، الأمة كلها توحدت على بيعته، وقد أجمع فقهاء المسلمين على جواز قتل كل من يخرج على الخلافة الشرعية، دون أن يكون سبب خروجه كفراً بواحاً، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ). ثالثاً: الذي يقرأ تاريخ العراق، منذ الفتح الإسلامي، وحتى اليوم، يكتشف أن سياستي الحازمة، هي السياسة الوحيدة التي تصلح مع شيعة العراق، فقد لان لهم واليهم سعد بن أبي وقاص، فتمردوا عليه، وشكوه مرات عدة إلى عمر بن الخطاب، واتهموه بأنه لا يحسن الصلاة، وعندما استدعى عمر سعداً، وتبين له كذبهم، وطلب إليه الرجوع إليهم، رفض، ودعا عليهم -وهو مستجاب الدعوة- فقال:" اللهم لا تُرضهم عن والٍ بعدي، ولا ترض عنهم والٍ بعدي"، وعندما لانَ لهم علي بن أبي طالب، عصوا أمره، وجعلوه يفضل الموت على الإمارة عليهم، إذ صار يقول:" اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني، ومللتهم وملوني، ما يؤخر أشقاها؟!"، فقد بشره النبي، بأنه سيُقتل على يد أشقى الأمة. ولقد رأيتم كيف استطاع صدام حسين بالشدة عليهم، أن يصنع في العراق نظاماً وأمناً حتى في وقت الحصار والحرب، وكيف تحول العراق إلى بلد موت وفتن وصراع طائفي في زمن الحكام الضعاف. رابعاً: لقد حوَّلْتُ العراقيين بشدتي عليهم، من شعب متمرد عاص مشاغب، يفتقد أهله إلى الأمن والهدوء، إلى شعب فاتح مجاهد، فقد جعلتُهم يؤدبون الخوارج، ويفتحون السند، وبلاد ما وراء النهر، ويصلون إلى أرض الصين، ويرغمون تلك الإمبراطورية العملاقة على دفع الجزية، وصنعتُ أمناً في العراق، جعل المؤرخين، ومنهم ابن كثير، يشهدون بأنه بعد أن كان الناس لا يأمنون على أنفسهم وأموالهم في الكوفة والبصرة، صار أصحاب الحوانيت يغادرونها مفتوحة الأبواب، فلا يجرؤ أحد على السرقة منها، وصار الرجل ينسى متاعه في السوق، فيعود إليه بعد أيام فيجده مكانه. خامساً: ألم تعلموا أن الذي تعدونه رمزاً للظلم، جعل العراق بلداً متحضراً، وبنى فيه مدينة واسط، وكان يحفظ كتاب الله، ويبتعد عن المحرمات، وتلكم شهادة ابن كثير الذي يقول:" كَانَ يَتَدَيَّنُ بِتَرْكِ الْمُسْكِرِ، وَكَانَ يُكْثِرُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ، وَيَتَجَنَّبُ الْمَحَارِمَ، وَلَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنَ التَّلَطُّخِ بِالْفُرُوجِ" . سادساً: لقد حكمتُ نصف مساحة الدولة الإسلامية، نحو عشرين عاماً، وجئت لبيت مال المسلمين، بأطنان من الذهب والمجوهرات والأموال، ومِتُّ ولم أترك إلا ما يتركه فقراء المسلمين، وتلكم شهادة صاحب الوافي بالوفيات الذي يقول:" ولم يخلِّف الحجاج لما مات غير ثلاثمائة درهم، ومصحفاً، وسيفاً، وسرجاً، ورحلاً" . سابعاً: لو نجح حاكم أو زعيم في زمانكم أن يحرر بضعة كيلومترات من أرضكم المحتلة، لصفقتم له طويلاً، ولعددتموه بطلاً، حتى لو خالفكم في المذهب، وأنتم تلعنوني، وقد نجحتُ في تحرير السند وخراسان وبلاد ما وراء النهر، وأجزاء من الصين، ولي الفضل في إسلام مئات الملايين هناك، ألستم بحاجة إلى حاكم ظالم من نوعيتي يحرر الأقصى الذي يعجز مليار ونصف منكم أيها العدول أن يحرروه، بالرغم من مرور أكثر من تسعين سنة على احتلاله؟! لقد بلغني أن امرأة صاحت " يا حجاج" أثناء أسر الهنود لها، فلبيت نداءها، وأرسلت ابن القاسم على رأس جيش كبير حررها وحرر السند وأهله من أجلها . فماذا فعلتم لنسائكم اللائي يستغثن بكم منذ عقود في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها؟! رحمك الله يا حجاج، ورزق أمتنا حاكماً، يؤدب الفاسدين، ويقود المؤمنين إلى النصر والتمكين.