على مدى عقود، كان الذكاء الاصطناعي حاضرا فقط في الخيال العلمي، فتارة يسلط الضوء على الفوائد على البشرية وجوانبه الإنسانية المشرقة، وتارة أخرى يسلط الضوء على الجوانب السلبية.
وعلى امتداد التاريخ البشري، تجسس الناس على بعضهم البعض، فمن أجل معرفة ما يقوم به الآخرون أو يخططون لفعله، قام الأشخاص بمراقبتهم وتتبعهم والتنصت عليهم، باستخدام أدوات شهدت تطورا مستمرا، ولكنها لم تتمكن من تعويض البشر.
رغم ذلك، يعمل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الذاتية حاليا على تغيير كل ذلك، وبدأ في سرقة الأسرار وحمايتها، لكن الكيفية التي يتم من خلالها جمع هذه الأسرار وتحليلها ونشرها ستكون مختلفة اختلافًا جوهريًا.
استغلت بعض الدول هذا الجانب في المجال الاستخباراتي والعسكري لمصالحها الشخصية وتحقيق أهداف معينة من وراء ذلك من خلال جمع المعلومات من خلال هذه التقنية.
وكان الاستغلال الأبرز لدولة الاحتلال ما تقوم به بشكل دوري من جمع للمعلومات حول الفلسطينيين بشكل عام والمقاومين بشكل خاص لتشكل هذه التقنية خطرًا كبيرًا في هذا الجانب عليهم.
ومن أبرز المحاولات الإسرائيلية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصراع مع المقاومة الفلسطينية ما كُشِفَ عنه صباح اليوم حول استخدام وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "8200" لتقنية الذكاء الاصطناعي خلال معركة "سيف القدس" في قطاع غزة خلال شهر مايو عام 2021.
ونقل الإعلام العبري، عن قائد مركز الذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 التابعة لجيش الاحتلال، العقيد يوآف، قوله: "خلال معركة "سيف القدس"، استخدمنا الذكاء الاصطناعي لكشف قادة فرق حماس"، موضحاً أن أدوات علم البيانات والذكاء الاصطناعي التي يستخدمها الجيش تزيد بشكل كبير من القدرة على إحباط العمليات الفلسطينية.
وأضاف: "إحدى الأدوات المهمة التي قمنا ببنائها وتشغيلها اليوم، هي نظام يعرف كيفية العثور على الأشخاص "الخطرين" بناءً على مدخلات من قائمة الأشخاص الذين تم تجريمهم ودخلوا في النظام".
وتابع: "النظام يقوم بهذه العملية في ثوانٍ، حيث كانت في الماضي تستغرق مئات الباحثين وعدة أسابيع لإنجازها".
وزعم: "في معركة "سيف القدس"، تمكنا من استخدام النظام للتعرف على قادة فرق الصواريخ التابعة لحماس، ونشطاء مضادات الدبابات في الحركة في غزة بهدف اغتيالهم".
وادعى: "جرى تفعيل هذه المنظومة خلال عدوان أيار 2021 على قطاع غزة وذلك للوصول إلى قادة خلايا الصواريخ في حركة حماس ومطلقي الصواريخ المضادة للدروع لغايات تصفيتهم، حيث نجحت المنظومة في الوصول إلى أولئك الأشخاص من بين مخزون كبير جداً من النشطاء ونقل المعلومة التي انتجتها المنظومة إلى محققي شعبة الاستخبارات".
وأشار العقيد الإسرائيلي، إلى أن شعبة المخابرات التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي تمكنت خلال معركة "سيف القدس" من إنشاء 200 هدف جديد جاهز للهجوم أثناء العملية باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تم تطويرها.
وأكد أن الوحدة الإسرائيلية التابعة لمخابرات الجيش، تمكنت من تحديث وترقية أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها حوالي 150 مرة خلال العملية - وهكذا تم تطوير قدرات جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العملية.
ولفت يوآف إلى أن النظام الذي تم تطويره في الوحدة 8200 ينضم إلى سلسلة من الأنظمة في إطار ثورة الذكاء الاصطناعي - من بينها "هبشورا" و "الخيميائي" - التي حسنت قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على تحديد الأهداف.
المختص في الشأن الإسرائيلي والمهتم بالشأن التقني د. مأمون أبو عامر أكدَ لـ"فلسطين الآن"، أن "إسرائيل" متطورة جدا في برمجيات الاختراق وجمع المعلومات وصناعة برامج التجسس، مشيرًا إلى أن أغلب شركات التواصل الاجتماعي لها مقرات في "إسرائيل" ويوجد تواصل مستمر وتعاون.
وحول محاربة المقاومة الفلسطينية باستخدام هذا التكنولوجيا والبرمجيات، أشار أبو عامر، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي له أسبقيات في هذا المجال ومن اهمها نجاحه عام 2009، باختراق 45 ألف جهاز كمبيوتر من الأجهزة التي تعمل على البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة لصناعة برنامج بيغاسوس الذي شكل نجاحًا باهرا في عالم المراقبة والتجسس.
وحول آلية العمل، أوضح أبو عامر، أن عمل وحدات السايبر يتطور مع تطور تحليل البيانات وأنه يتم جمع بيانات لأشخاص عبر التجسس البشري، ومن ثم يتم تحويل هذه البيانات الشخصية عنهم عبر العملاء المباشرين ثم تكمل التكنولوجيا عملهم في هذه المهمة.
وأوضح، أن تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي يعمل على تحديد الأشخاص وأهميتهم ومكانهم ودورهم بشكل عملياتي، من خلال تحليل البيانات والأفعال والتصريحات والأقوال أو التحرك تجاه نقاط معينة، فتقوم البرامج بتحليل العلاقة بين الأشخاص وقوة الترابط، ما يمكن من تحديد مركزية الأشخاص ودورهم وفعاليتهم ليتم التعامل معهم عسكريا فيما بعد.
وبينَ، أن العملية تكنولوجيًا ليست معقدة، وما أشار إليه الضابط الكبير في استخبارات الاحتلال الوحدة 8200 أمر ليس مستبعد، ولكنه ليس قطعيًا أن كل ثغرة أمنية تكون بسبب التكنولوجيا، ناصحًا رجال المقاومة بالتخلص من أجهزة الهواتف تمامًا لمواجهة هذه التكنولوجيا ما سيقلص بشكل كبير عملية جمع البيانات عن الأشخاص.
يُذكر، بأن النظام الذي تم تطويره في الوحدة 8200 ينضم إلى سلسلة من الأنظمة في إطار ثورة الذكاء الاصطناعي، التي حسنت قدرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على تحديد الأهداف.