نشرت صحيفة "صاندي تايمز" تقريرا أعده مراسلها في مانيلا فيليب شيرويل، حول الغضب المتزايد في الفلبين على مقتل عاملة منزلية في الكويت.
وقال: "في خارج البيت المبني من الخشب بلاس بيناس، جنوب مانيلا، أحاطت أكاليل الزهور البيضاء كفن جوليبي رانارا، العاملة المنزلية التي قتلت وهي تعمل في الكويت".
واحتشد المعزون في الشوارع القريبة وحملوا هواتفهم لتصوير الرئيس فرديناد ماركوس جي أر، الذي وصل لتقديم التعازي لعائلتها. وتحدث لاحقا أمام حشد من ميكروفونات التلفزة قائلا: "نأمل ألا يحدث هذا أبدا لواحد من أبناء بلدنا".
إلا أن الكثير من الفلبينيين تعبوا من الاستماع لتأكيدات قادتهم السياسيين، ولا يزالون قلقين أن العدد الأكبر من أصدقائهم وأقاربهم عرضة للمخاطر التي تعرضت لها جوليبي.
وهي رابع ضحية على يد رب عملها في الكويت منذ عام 2018.
وتحصل العاملات على وظائف للعمل في الخارج، وهو نظام توفير عمالة وبرامج تنسيب دولية تنظمها الحكومة في مانيلا.
وبدأ البرنامج في السبعينيات من القرن الماضي، في ظل ديكتاتورية فرديناند ماركوس، والد الرئيس الحالي. وأصبح دعامة الاقتصاد الوطني وتدفق تحويلات العاملين التي باتت تسهم بنسبة 10% من الدخل القومي للبلاد.
ومن بين سكان البلاد البالغ عددهم 114 مليون نسمة، هناك 10 ملايين فلبيني يعيشون ويعملون في الخارج. فهم من يسير الملاحة البحرية العالمية، حوالي 400.000 بحار، ويعملون في المستشفيات البريطانية، وفي أماكن أخرى مثل سنغافورة، وهونغ كونغ والخليج، فهم عصب العمالة المنزلية.
وهناك حوالي 2.3 مليون لديهم عقود عمل في الخارج.
ويعتبر البرنامج مصدرا مهما للدخل للعائلات الفقيرة، ولكنه أيضا مصدر إحباط؛ لأن اقتصاد بلدهم غير قادر على خلق فرص عمل لمن يجبرون للبحث عنها في الخارج، ويعانون في العادة من الاستغلال والانتهاك للحصول على العمل.
وانتقلت جوليبي، 35 عاما للعمل إلى الخليج لأنها تريد أن تشتري بيتا لوالديها وأطفالها الأربعة. وفي مكالمة مع عائلتها في 19 كانون الثاني/ يناير، عبرت عن مخاوفها من ابن ربة العمل البالغ من العمر 19 عاما. ثم اختفت، وبعد يومين، في 21 كانون الثاني/ يناير عثر على جثتها المتفحمة والمشوهة قرب طريق صحراوي، ودهست بسيارة وحرقت بقاياها.
وفي تشريح للجثة، كشف عن أنها كانت حاملا، واعتقل مراهق كويتي، 17 عاما بشبهة الاغتصاب والقتل. وأدى مقتلها إلى إصلاح نظام العمل في الخارج وقواعد الحماية التي عادة ما لا تطبق.
ودعا ناشطون في حقوق العمالة وساسة لهم تأثير كبير، لوقف ما أطلقوا عليه نظام "عبودية" الكفالة الذي يعمل فيه بدول الخليج، ويعطي المواطنين وشركات التوظيف سيطرة كاملة على حياة العمالة الوافدة للخليج.
وقال رئيس لجنة العمالة في مجلس الشيوخ جينغوي إسترادادا: "ينتفعون من نظام الكفالة منذ زمن، وما لا يمكننا إنكاره أنه يتسبب بالتحرش والعبودية" للعمالة الوافدة. ودعا قائلا؛ "إن الوقت قد حان لإلغاء النظام".
ويحتاج العمال الوافدون لإذن من الكفيل كي يغيروا وظائفهم وإنهاء عقدهم أو دخول وخروج البلد، وعليهم تسليم وثائقهم وجوازات سفرهم وأحيانا هواتفهم، كشروط في عقود العمل.
وتغلب مئات من العمال الفلبينيين على هذه الشروط وعادوا إلى بلادهم منذ مقتل جوليبي.
وهناك حوالي 420 لا يزالون ينتظرون في السفارة الفلبينية بالكويت، ولم يستطيعوا الحصول على موافقة أرباب العمل، وهناك الكثير عالقون في منازل أرباب العمل.
ومن بين الذين استطاعوا مغادرة الكويت، أيفي 29 عاما، حيث عادت إلى زوجها العامل اليومي وولديها الذين يعيشون في كوخ مبني من البامبو بجزيرة مينداو، وقالت: "لقد سمعت عن جرائم قتل سابقة لفلبينيين هناك، وشعرت بأنني أريد الذهاب للحصول على مال لعائلتي"، و"فكرت أن الأمور لن تكون سيئة جدا، واكتشفت هناك أن كل شيء يمكن أن يحدث".
وفي الفترة التي عملت هناك، تنقلت بين 3 عائلات، وكانت تجبر على العمل سبعة أيام، والنوم لساعات قليلة، وتعرضت للسباب والضرب. ورفضت العائلة الأولى تقديم الطعام لها والصابون والشامبو، وأجبرت على البحث عن الصابون في النفايات. والثانية أجبرتها للنوم في المطبخ ليلا. و"كنت أرتجف من الجوع والتعب". ومع العائلة الثالثة المرتبطة بالعائلة الحاكمة، زاد الأمر سوءا واتهمت بالسرقة. وضربها ابن العائلة البالغ من العمر 7 أعوام بالغترة على ظهرها وهي تطعم الرضيع. وعاقبها والد الطفل بالضرب، ما خلق جوا من الخوف جعل أيفي تخشى على نفسها: "كنت خائفة بأنني سأعاني من نفس المصير وألا أعود مرة ثانية".
وقالت: "أنصح أي فلبيني يذهب للكويت بالحذر؛ لأنك لا تعرف إن كنت ستعود حيا أو ميتا". كما لم تدفع العائلة الراتب المقرر، وعندما وافقت مترددة طلبت منها شركة التوظيف دفع مبلغ من المال كلفة إعادتها إلى وطنها. لكنها أي الشركة أعادت إليها جواز سفرها بشرط عدم التقدم بشكوى.
وهناك حوالي 270.000 فلبيني يعملون في الكويت، وهناك أكثر من 24.000 حالة انتهاك قدمها فلبينيون هناك، حسب وزارة العمال والهجرة في الفلبين.
ومنذ وفاة جوليبي، أعلنت إدارة ماركوس عن مراجعة لاتفاقيات العمل مع الكويت، وفرضت منعا مؤقتا على ذهاب العمال الجدد إلى هناك، وعلقت وكالة التوظيف التي ترسل العمال إلى الكويت. لكن الحكومات السابقة فرضت منعا بعد حوادث مماثلة لترفعه بعد توصل الحكومتين إلى اتفاقيات جديدة.
وشجب المسؤولون الكويتيون حادثة القتل، وأشاروا إلى عملية القبض السريعة على القاتل وإصدار حكم إعدام على آخر في قضية منفصلة.
وقالت منظمة "الهجرة الدولية؛ إن شيئا لم يتغير منذ مقتل جوليبي و"الكثيرون يتلقون التهديد والانتهاك"، و"لا يزال نظام الكفالة وشروطه التي تشبه العبودية في مكانه"، و"من الواضح أن هدف الحكومة الفلبينية هو إرسال العمالة لا حمايتهم، وليس خلق فرص عمل شريفة لهم".
وطلبت عائلة جوليبي أن تترك وحدها ورفضت الدية من العائلة التي كانت تعمل عندها. وقالت: "يجب أن تتوقف ثقافة الدية، وإلا سيظن الجناة أن حياة الفلبينيين رخيصة وهي للبيع، أو أنهم سيشترون حياتنا بعد موتنا البشع. لا، حياتنا ليست للبيع".