ما كان عليكم يا أهل مخيم الفوار ومدينة خليل الرحمن أن تدفنوا جثمان شهيدكم محمود الطيطي، ما كان عليكم أن تواروا جسده الثرى، فهذا الذي حملتموه على أعناقكم وطفتم به شوارع المخيم مطلوب لأجهزة الأمن ومطالب بالمثول أمام محاكم رجال القانون. لقد تألمت كثيراً وأنا أرى جماهير خليل الرحمن تحمل جثمان هذا الشاب وهو المطلوب للمحاكمة، كنت أتساءل ما الذي دفعهم ليشيعوا جثمانه ويدفنوا جسده، فقد كان عليهم أن يتوجهوا به إلى هناك، إلى محاكم أجهزة الأمن لكي يحاكموا جثمانه، فهو مطلوب للمحاكمة بتهم كثيرة، مطلوب للمحاكمة بتهمة الإساءة للجارة الطيبة إسرائيل، مطلوب للمحاكمة لأنه رفض أن يعيش عبدا تحت رحمة الاحتلال وسطوة الجلاد، مطلوب للمحاكمة لأنه استجاب لصرخات المعذبين وانتفض ملبيا استغاثات الحرائر في السجون والمعتقلات، مطلوب للمحاكمة لأنه رفض أن يبيع الوطن كما هم، رفض أن يرفع الرايات البيضاء كما اعتاد أكابرهم، مطلوب للمحاكمة لأنه تجاوز حدود الأدب مع الجلاد، وقذف الحجارة في وجه من استباح الأرض ودنس المقدسات وانتهك الأعراض، مطلوب للمحاكمة لأنه حرض على التمرد على قانون العبودية والاستسلام، مطلوب للمحاكمة بتهمة الانتماء إلى تنظيم محظور وجماعة إرهابية كانت تسعى للانقلاب على الشرعية وتخريب جهود المصالحة ونسف الوفاق الوطني. كان المفترض أن يحاكم محمود بهذه التهم، لكنه قد رحل، رحل وقد كتب بدمه الحكاية كلها، فمحمود الطيطي محرر من سجون الاحتلال بعد ثلاث سنوات قضاها في المعتقلات، خرج فقط قبل ثلاثة أيام من سجون أجهزة أمن السلطة، وبقيت بطاقة هويته محتجزة هناك في أقبية التحقيق حتى يمثل أمام محاكم السلطة بعد شهر ، هذه هي حكاية محمود، لكنها ليست حاكيته وحده، بل هي حكاية المئات بل الآلاف من أبناء الحركة الإسلامية في مدن الضفة الغربية المحتلة، فمن المسئول عن ذاك الذي يجري لشبابنا المسلم في ضفة العياش والهنود؟، من المسئول عن عذابات الموحدين هناك في خليل الرحمن، ونابلس جبل النار وجنين القسام وطولكرم العزة والإباء وغيرها من مدن المقاومة والفداء؟.