أعلنت منظمة الصحة العالمية، في 11 مارس/ آذار 2020، اعتبار فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض (كوفيد-19) "وباء عالميا".
قرار المنظمة التابعة للأمم المتحدة، جاء بعد نحو ثلاثة أشهر من ظهور أول حالة مصابة بالفيروس الذي كان حديث العالم وقتها، وتسبب في فزع الجميع، خاصة مع سرعة انتشاره وضغطه على المنظومة الصحية وبالتالي زيادة عدد ضحاياه، فالحصيلة الرسمية لضحايا الوباء تقترب من سبعة ملايين وفاة حول العالم، رغم التحليلات التي ترجح أن عدد الوفيات الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
الآن، وبعد ثلاثة أعوام على اعتبار الفيروس وباء عالميا، يدور الحديث حول "جريمة الدول الغنية" التي مارست نوعا من التجاهل تجاه الدول الفقيرة، فحرمتها اللقاح وتركتهم وحدهم في مواجهة مع "وحش" لم يكن أحد يعلم متى يهدأ.
أنانية الدول الغنية
في عام 2021، حددت منظمة الصحة العالمية غاية بلوغ تغطية تطعيم عالمية ضد كورونا بنسبة 70% بحلول منتصف عام 2022، لكن هذا لم يحدث، وفي يونيو/ حزيران 2022، لم تصل إلى هذا الهدف سوى 58 دولة من مجموع 194 دولة عضوا في المنظمة.
وفي البلدان المنخفضة الدخل، لم يحصل على مقرر التطعيم الأولي الكامل سوى 37% من العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وفي دراسة نُشرت عام 2022 في مجلة "نيتشر" العلمية، كشفت أنه كان بالإمكان إنقاذ 1.3 مليون شخص من الموت بعد الإصابة بكورونا "إذا كانوا قد حصلوا على الجرعات بشكل عادل في عام 2021"، وهو ما يمثل بحسب الدراسة نفسها "حالة وفاة واحدة كان يمكن إنقاذها كل 24 ثانية" في ذلك العام.
وفي 22 فبراير/ شباط الماضي، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس غيبريسوس إن هناك "بحوث جديدة تؤكد البيانات التي تثبت فوائد التطعيم والجرعات المعززة"، حديث تيدروس لم يفرق بين مواطن في دولة غنية وآخر في دولة فقيرة أو متوسطة الدخل، لكن على أرض الواقع الأمر مختلف ففي الوقت الذي تم تطوير عدد من اللقاحات عالية الفعالية ضد الوباء بسرعة قياسية، حرصت الدول الغنية على الحصول على معظم الجرعات الأولية، وتركت الدول الفقيرة تعاني. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، "حتى اليوم تلقى أقل من ثلث المواطنين فقط في البلدان منخفضة الدخل جرعة واحدة على الأقل من اللقاح، في الوقت الذي حصل فيه ثلاثة أرباع الأشخاص في البلدان مرتفعة الدخل على اللقاح".
رسالة إلى من يهمه الأمر
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، دعا مسؤولو مفوضية اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للهجرة في رسالة وجهوها إلى قادة دول العشرين إلى الالتزام بزيادة إمدادات اللقاحات لأفقر دول العالم، وضمان الوصول إلى اللقاحات لجميع الأشخاص المتنقلين ودعم البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل لمكافحة كورونا بكل الوسائل المتاحة.
في هذه الرسالة أشار المسؤولون إلى أن ما اعتبروه "فجوة التكافؤ في توزيع اللقاحات بين البلدان الأكثر ثراء والبلدان ذات الموارد المنخفضة"، مؤكدين أنها "تظهر تجاهلا لحياة أفقر البلدان وأكثرها ضعفا في العالم".
ولفت المسؤولون وقتها إلى أنه "لكل 100 شخص في الدول مرتفعة الدخل، أعطيت 133 جرعة من اللقاح ضد الوباء، وفي الدول منخفضة الدخل، أعطيت أربع جرعات لكل 100 شخص".
وأكدوا وقتها أن "عدم المساواة" هذه تتسبب في خسارة الأرواح كل يوم، ويستمر في تعريض الجميع للخطر.
في الشهر ذاته (أكتوبر 2021)، دعا سفراء لمنظمة اليونيسف في أفريقيا دول مجموعة العشرين إلى التبرع باللقاحات لمرفق "كوفاكس" قبل نهاية العام، قبيل اجتماعها في روما. وقد أشار تحليل جديد إلى أن الدول الغنية تلقت جرعات من اللقاح المضاد لكوفيد-19 للفرد الواحد أكثر بمقدار 15 مرة عن الفرد في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
رسالة جديدة للدول الغنية
الآن ومع الذكرى الثالثة لإعلان الصحة العالمية كورونا "وباء عالميا"، وجه 200 شخصية عالمية رسالة مفتوحة إلى العالم، وجهوا فيها الانتقاد نفسه من "عدم المساواة في توزيع اللقاحات وتسبب الدول المتقدمة في وفاة أكثر من مليون شخص في الدول الفقيرة".
وقّع على الرسالة التي نسقها "تحالف لقاحات الناس"، وهي منظمة غير حكومية، شخصيات عامة وقادة سابقين لأكثر من 40 دولة، وحائزين على جائزة نوبل وزعماء دينيين، إلى جانب مجموعة من رؤساء وكالات الأمم المتحدة الحاليين والسابقين، ومن أبرز الموقعين الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك، رئيس تيمور الشرقية خوسيه مانويل راموس هورتا، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1996.
أكد الموقعون على الرسالة على "الصعوبات التي تواجه البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في الحصول على لقاحات فيروس كورونا في المراحل الأولى من انتشار الوباء العالمي".
وأشاروا إلى أنه كان يمكن تفادي أكثر من مليون وفاة في عام 2021، إذا تم توزيع اللقاحات بشكل أكثر عدلاً في جميع أنحاء العالم، مطالبين "زعماء العالم التعهد بعدم تكرار ذلك أبدا"، وأن تتم كتابة مبادئ الإنصاف وحقوق الإنسان في اتفاقية وبائية جديدة تقوم منظمة الصحة العالمية بصياغتها.
وأشار الموقعون على الرسالة إلى أن "القرارات التي يتم اتخاذها الآن ستحدد كيفية استعداد العالم للأزمات الصحية العالمية المستقبلية والاستجابة لها. ويجب أن يفكر قادة العالم في الأخطاء التي ارتكبت في الاستجابة لوباء كوفيد-19 حتى لا تتكرر أبدا".
وبحسب الرسالة، "هناك عقود من الأبحاث الممولة من القطاع العام وراء وجود لقاحات وعلاجات وإجراء اختبارات لفيروس كوفيد-19"، وأن "الحكومات أنفقت المليارات من أموال دافعي الضرائب في البحث والتطوير والطلبات المسبقة للحصول على اللقاح، مما قلل من المخاطر التي تتعرض لها شركات الأدوية".
وتابعت الرسالة :"هذه هي لقاحات الناس واختبارات الناس وعلاجات الناس (...) وبدلا من طرح اللقاحات والعلاجات وإجراء الاختبارات على أساس من يحتاجون إليها، عززت شركات الأدوية أرباحها من خلال بيع الجرعات أولا للبلدان الغنية".