"سيف القدس" المعركة التي شكّلت نقلة نوعية في الصراع مع العدو الصهيوني، أثبتت خلالها كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية فشل نظرية الردع الصهيونية، وأظهرت إمكانيات وقدرات عالية لدى المقاومة، ونجحت في تهشيم صورة كيان العدو وجيشه، بعد أن مرغت أنفه في التراب، لتكتب صفحات جديدة في تاريخ العز والمجد وترسم طريقاً جديداً نحو التحرير.
الإنذار الأخير
بعد تصاعد اعتداءات قوات الاحتلال والمغتصبين في القدس والضفة المحتلة، في محاولة منه للاستفراد بالمسجد الأقصى وتهجير أهالي حي الشيخ جراح من بيوتهم، كانت كتائب القسام ترقب المشهد عن كثب.
ففي الرابع من مايو لعام 2021م، أطلقت الكتائب التحذير الأخير على لسان قائد هيئة الأركان محمد الضيف "أبو خالد"، وجاء فيه: "إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غالياً".
بعد رفض الاحتلال الاستجابة لمهلة المقاومة، وفي تمام الساعة السادسة من مساء الاثنين (05/10)، وجهت كتائب القسام رشقة صاروخية نوعية تجاه مواقع العدو في القدس المحتلة، إيذاناً ببدء معركة "سيف القدس"، الأمر الذي شكل مفاجأة صادمة لحكومة العدو، التي أخطأت تقدير موقف المقاومة وطريقة تفكيرها.
سيف القدس
11يوماً، تمكنت خلالها كتائب القسام من فرض سيطرتها على مجريات المعركة، من خلال أوامرها للاحتلال، والتي كان أهمها فرض حظر التجول في مغتصبات العدو والمدن المحتلة على طول امتداد جغرافيا فلسطين المحتلة، حيث أمطرتها بمئات الرشقات الصاروخية، التي أذلت العدو أمام مرأى العالم أجمع ومرغت أنفه في التراب وكشفت تخبط وهشاشة "جبهته" الداخلية.
وفي اليوم الأول وجهت كتائب القسام ضربة صاروخية لمواقع العدو في القدس المحتلة، لتؤكد أن المعركة اندلعت من أجل القدس، ولتوجه من خلالها رسالة للعدو مفادها إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا، واستمرت الضربات الصاروخية المركزة والمكثفة، وتجبر المغتصبين الصهاينة على البقاء في الملاجئ طيلة المعركة.
كما تمكنت الكتائب في اليوم الثالث من المعركة من استهداف جيبٍ عسكري لجيش العدو من نوع "ديفندر" بصاروخ موجه، قرب مغتصبة "نتيف هعسراه" شمال قطاع غزة، وأسفر الاستهداف عن مقتل جنديين وإصابة آخرين، لتعود في اليوم الأخير من المعركة وتستهدف حافلة لنقل الجنود، قرب قاعدة "زيكيم" شمال قطاع غزة.
واستطاعت المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام إدارة المعركة بحكمة واقتدار، وقد حققت تفوقاً على الاحتلال في كافة المجالات، وعملت خلال المعركة على ترسيخ معادلات جديدة، أهمها وحدة الأراضي الفلسطينية، فالاعتداء على أي بقعة من فلسطين سـتردُّ عليه المقاومة الفلسطينية حتمًا، وستكون كتائب القسام خط الدفاع الأول عن كافة الأراضي والمقدسات الفلسطينية.
أسلحة نوعية
خلال معركة سيف القدس أعلنت كتائب القسام عن إدخالها أسلحة جديدة للخدمة، كان أبرزها صاروخ "العياش 250"، وقد استهدفت به الكتائب مطار رامون، وتعطّل بذلك حركة الطيران لدى العدو، وجعلت كل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها تحت مرمى صواريخ القسام.
كما أسدلت الكتائب الستار عن صواريخ SH85 والتي جاءت تسميتها تيمناً بالقائد الشهيد محمد أبو شمالة، وصاروخ A120 الذي سمي تيمناً بالشهيد القائد رائد العطار، إضافة إلى الصواريخ التي استخدمتها مجدداً من طراز (Q20، M75، J80، J90) ودكّت بها مغتصبات العدو ومواقعه العسكرية، لتجبر المغتصبين الصهاينة على البقاء في الملاجئ طيلة أيام المعركة.
وفي تطور نوعي، أعلنت كتائب القسام عن دخول طائرة "شهاب" الانتحارية إلى الخدمة، ونفذت بها عدة مهمات جهادية خلال المعركة، من بينها استهداف منصات الغاز للاحتلال في عرض البحر قبالة شواطئ ساحل شمال غزة، كما استهدفت مصنعًا وحشوداً عسكرية قرب قطاع غزة.
كما أعلنت عن طائرة الزواري المسيرة، ونفذت من خلالها طلعات رصد واستطلاع لتحديد أهداف ومواقع العدو خلال المعركة، وسميت بهذا الاسم تيمناً بالشهيد المهندس محمد الزواري.
انتصار المقاومة
بعد 11 يوماً، وضعت معركة سيف القدس أوزارها، وفي تمام الساعة الثانية فجر الجمعة (21/5)، أعلنت غزة انتصارها بقوة مقاومتها وبسالة شعبها، بعد أن لقّنت العدو درساً قاسياً، ووجهت له ضربة موجعة ستترك آثارها المؤلمة على مستقبله.
وأجمع محللون سياسيون وعسكريون صهاينة على فشل حكومة الاحتلال سياسياً وعسكرياً في المعركة، ووجهوا انتقادات واسعة للجيش في ضوء نتائجها التي كشفت إخفاقات وهشاشة جبهته الداخلية، وقد أسفرت المعركة عن مقتل 14 صهيونيًا وإصابة المئات. واستطاعت المقاومة أن تلحق في العدو خسائر اقتصادية قدرت قيمتها بـ 7 مليارات شيكل، بالإضافة إلى خسائر عسكرية تجاوزت قيمتها 1.1 مليار شيكل، كما وتم التبليغ عن أكثر من 5300 ضرر من قبل المغتصبين.
ولا تزال كتائب القسام تشرع سيف القدس جنباً إلى جنب مع مقاومي شعبنا في كل بقاع أرضنا المحتلة نصرة للقدس والأقصى، وتؤكد دومًا بأن سلسلة ردودها على العدوان لن تتوقف، وأنها فرضت معادلات جديدة على العدو مفادها بأن المعركة ليست مرهونة بحدث؛ بل هي مفتوحة وممتدة زمانيًّا ومكانيًّا على أرض فلسطين ومن كل الجبهات حتى التحرير بإذن الله.