بعد عامين على معركة سيف القدس، التي بدأتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة رداً على استيلاء مستوطنين إسرائيليين على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، إضافة إلى عمليات الاقتحام المتصاعدة للمسجد الأقصى والانتهاكات ضد المصلين والمقدسيين عموماً.
يرى مراقبون أن معركة "سيف القدس" بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال شكّلت نقطة تحوّل لصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأحدثت كياً في وعي الاحتلال، كما أنها وحدت الفلسطينيين في كافة أرجاء فلسطين المحتلة.
وفي قراءتهم لمسار تلك المعركة وانعكاساتها، يستنتج محللون تحدّثوا لـ "فلسطين الآن" مجموعة سمات ميّزت "سيف القدس" وأهّلتها لتكون "معركة إستراتيجية" في تاريخ الصراع الممتد منذ أكثر من 7 عقود.
فمعركة سيف القدس كانت إحدى المعارك الفاصلة بين المقاومة الفلسطينية وبين الاحتلال، وقد حققت فيه المقاومة الفلسطينية أهدافا استراتيجية كبيرة جدا خاصة أن المعركة كانت تحمل عنوانا استراتيجيا بالنسبة للفلسطينيين وهو عنوان الدفاع وحماية مدينة القدس والمسجد الأقصى، وفق محللين.
نقطة تحول فارقة
في قراءته لمسار المعركة ونتائجها، يشير الكاتب والمحلل السياسي أحمد أبو عامر، إلى أن معركة سيف القدس شكلت نقطة تحول فارقة في الصراع مع المحتل، لا سيما وأنها وحدت جميع الجبهات ولأول مرة من أجل هدفٍ سامٍ وهو الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس.
فقرار البدء بالمعركة شكلت صدمة للاحتلال الذي لم تتوقع جميع مستوياته العسكرية والاستخبارية والأمنية أن تذهب المقاومة وعلى رأسها حماس إلى أبعد مدى في استهداف المستوطنات في القدس بالصواريخ، حسب أبو عامر.
ويضيف أبو عامر: "أجبرت المقاومة من خلال تلك المعركة والتي سبقها (حرب 2014) الاحتلال أن يغير عقيدته العسكرية التي كانت قائمة على الإنذار والحسم والردع، لتضيف إليها الدفاع، وهو ما يعني أن "البعبع" الإسرائيلي لم يعد يخيف أحد في المنطقة سوى الأنظمة العربية".
ويوضح أن حالة كي الوعي الذي أحدثته المقاومة الفلسطينية في العقل الإسرائيلي، أثرت على اتخاذ القرارات لذلك المحتل، فأصبح يفكر بالرد على أي عدوان قبل أن يقدم عليه، وهو ما يظهر حالياً بعد عملية اغتيال القيادات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي.
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي أيمن الرفاتي، إن معركة سيف القدس سارت بوتيرة تصاعدية من قبل المقاومة الفلسطينية، حملت عنصر المفاجأة حينما قصفت المقاومة الفلسطينية مدينة القدس المحتلة بعدد من الصواريخ ومن ثم قصفت عددا من مدن الاحتلال برشقات كبيرة من الصواريخ وهذا ما كان مؤثرا وصادما لحكومة الاحتلال.
ويضيف الرفاتي "حاول الاحتلال فرض معادلات على المقاومة الفلسطينية باستهداف الأبراج، ومحاولات اغتيال قادة المقاومة لكن استطاعت المقاومة أن تنسف هذا الأمر عبر تكثيف ضرباتها لمنطقة الوسط ومنطقة تل ابيب عبر رشقات مئوية من الصواريخ وهو ما جعل الاحتلال يفكر بشكل كبير جدا في طريقة يعني التعامل مع المقاومة ودفعه للتراجع في عدة مرات عن تنفيذ مخططات لديه في المعركة".
الالتفاف الشعبي وتوحد الجبهات
وعلى صعيد الموقف الشعبي، يقول الكاتب، أحدثت معركة سيف القدس حالة من الالتفاف الفلسطيني وتوحد الجبهات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، بحيث أننا لأول مرة شهدنا غزة والضفة والقدس وأراض الـ48، تهب في وجه الاحتلال وهذا بالنسبة للاحتلال كانت سيناريو خطير جدا.
وتابع "معركة سيف القدس أسست لوحدة الساحات بين فصائل المقاومة وبين الساحات الفلسطينية، وأيضا بين المقاومة اللبنانية وبين محور المقاومة، وهذا امر بالنسبة للاحتلال في غاية التعقيد لان الاحتلال يدرك ان سيناريو حرب متعددة الجبهات هو أخطر السيناريوهات، وقد يرقى الى المخاطر الوجودية بالنسبة اه الكيان".
الموقف الإسرائيلي
أما على صعيد نتائج المعركة على الاحتلال الإسرائيلي، فيشير الرفاتي، إلى أن سيف القدس جاءت في توقيت لا يرغب به الاحتلال في ظل أن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن كانت لا تريد مواجهات عسكرية في منطقة الشرق الاوسط وتركيزها على مواجهة الصين وروسيا، لكن معركة سيف القدس عززت من مكانة القضية الفلسطينية وعززت من دور المقاومة الفلسطينية كحامية الشعب الفلسطيني ثوابته ومقدساته.
وأضاف: "معركة سيف القدس حملت في طياتها رسائل واضحة حول قوة المقاومة وقدرتها على مواجهة هذا الاحتلال وقدرتها على التأثير على الجبهة الداخلية في دولة الاحتلال، والتأثير على المستوى السياسي في الكيان، وخاصة انه بعد معركة سيف القدس خسر نتنياهو الانتخابات وتشكلت حكومة من المعارضة وكان هذا الامر نتيجة العمل المقاوم الكبير الذي استخدمته المقاومة ما ادى الى اضعاف شعبية نتنياهو داخل المجتمع الصهيوني".
معركة استراتيجية
ويقول الرفاتي، "إن قوة المقاومة الفلسطينية وكثافة النيران التي استخدمتها، كانت عاملا اساسيا لإحداث تغييرات استراتيجية في طريقة تعامل الاحتلال مع المقاومة، خاصة ان المقاومة اثبتت انها قادرة على شل الكيان والتأثير على الجبهة الداخلية، وهذا عزز من مكانة المقاومة الفلسطينية، ونظرة الاحتلال للمقاومة الفلسطينية وطريقة تعامله معها
وعلى الجانب الإقليمي يشير الكاتب، أن معركة سيف القدس أثبتت أن المقاومة الفلسطينية هي عامل رئيسي لا يمكن تجاوزها من قبل الاقليم ومن قبل المجتمع الدولي، وبالتالي اي تحرك في الفلسطينية او اي حلول تجاه القضية الفلسطينية، لا يمكن تمريرها دون موقف المقاومة الفلسطينية وتحديدا موقف حركة حماس التي قادت المعركة.
من ناحية أخرى، فإن حالة الوحدة التي شكلتها المعركة أعطت تصورا لمختلف الاطراف بان الفلسطينيين يمكنهم ان يواجهوا هذا الاحتلال بكل قوة بكل اقتدار بشكل كبير، وان يدفعوه للرضوخ لشروطهم ومطالبهم، وفق الباحث الرفاتي.
ويرى الكاتب، أن المعركة أحدثت تغيرات استراتيجية لدى الفلسطيني كإنسان ولدى الفلسطيني كمقاوم، اذ انها كانت سببا في رفع المعنويات لدى الفلسطينيين في مختلف الجبهات في الضفة المحتلة وفي الخارج وفي قطاع غزة ومدينة القدس، وهو ما رفع من قيمة وحدة المقاومة في وجه الاحتلال خلال العامين الماضيين، وحتى وقتنا الحالي وبات الايمان بقدرة المقاومة على تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني كبيرا جدا، شكلت وعيا كبيرا لدى ابناء الشعب الفلسطيني اه تجاه قضيتهم بشكل إيجابي بعد سنوات من اليأس وبعد سنوات من فشل مشروع اوسلو وفشل الى مشروع المفاوضات بين منظمة التحرير وما بين دولة الاحتلال.