الكيان الصهيوني واقع بين خطرين، خطر عربي إسلامي يهدد الكيان من الخارج، وخطر مجتمعي إسرائيلي، يهدد الكيان من الداخل.
الخطر العربي الإسلامي الخارجي، يتمثل بعدة معطيات مقلقة لقيادة الكيان:
1 ـ تصاعد قوى المقاومة في شمال فلسطين، والاستعراض العسكري الذي أجرته قوات حزب الله على بعد عدة كيلومترات من مواقع الجيش الإسرائيلي، وما ظهر في تلك المناورات من أسلحة هجومية، ومحاولات لاقتحام مستوطنات، والسيطرة عليها، وما خفي من سلاح، ولم يظهر في المناورة، كل ذلك أثار قلقلاً متزايداً في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية.
2 ـ تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية، وما أظهرته غرفة العمليات المشتركة من حنكة عسكرية، وقدرة على إدارة المعركة بقذائف وصواريخ ذات تأثير فعال، في رسالة من غرفة العمليات المشتركة إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بأن لدى المقاومة الفلسطينية في غزة الكثير الذي تخفيه، وأن لدى غزة مكونات عسكرية لم تظهر بعد، وأن الأيام القادمة تحمل في طياتها الكثير من المفاجآت.
3 ـ تنامي المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتصاعد المواجهات على طرق المستوطنين، حيث بات الوضع الأمني مقلقًا للسياسة الإسرائيلية، والتي تؤكد على العلاقة بين المقاومة في الضفة الغربية والمقاومة في قطاع غزة.
4 ـ القابل للانفجار من جراء الظلم الواقع على رأس فلسطيني 48، حتى صاروا قنبلة موقوتة، يحترق فتيل تفجيرها تحت سمع وبصر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
5 ـ تعاظم المساعدات العسكرية واللوجستية والمالية والتكنولوجية المقدمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى كل ساحات المواجهة مع العدو الإسرائيلي، مساعدات ودعم منها ما ظهر في ميدان المعارك، ومنها ما زال خفياً، ومن هذه المساعدات ما ظهرت معالمه في مواجهات جرت، ومنها مساعدات على وشك الظهور في ساحات تنتظر.
إنه خطر وجودي لدولة الكيان، ويضغط على الأمن الإسرائيلي نفسه في أكثر من مجال، وفي عدة جبهات، هذا هو مصدر الرعب للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي تناغمت مع المستوى السياسي في (إسرائيل)، وراحت تشاركه مضمون الحديث عن الخطر النووي الإيراني، وعن تجاوز الخطوط الحمر في تخصيب اليورانيوم.
أما الخطر الداخلي الإسرائيلي فإنه يتمثل بمواصلة الانقسام الأيديولوجي، ومواصلة المظاهرات المعترضة على التعديلات القانونية، ومواصلة تدني نسبة التأييد للحكومة الحالية، ولحزب الليكود، ولنتنياهو شخصيًا، والذي يرى بفزاعة الخطر الخارجي مخرجًا لحالة التمزق الإسرائيلية.
لكل ما سبق، صدرت التصريحات الإسرائيلية عن تصاعد الأخطار المحدقة بأمن (إسرائيل) واستقرارها، من أعلى المستويات السياسية والعسكرية، بدءًا من قائد جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، ورئيس الأركان، وحتى رئيس الوزراء، ومجمل التصريحات تتحدث عن حرب استنزاف تقودها إيران ضد (إسرائيل) من خلال وكلائها، وفق تصريح وزير الحرب الصهيوني، الذي يتهم إيران بأنها ترسل أسلحة لغزة والضفة الغربية، وأنها تمول وتدرب المقاتلين، وأنها حولت سفن تجارية إلى معسكرات عائمة للقتال ويرى وزير الحرب أن الحل يتمثل في تشكيل تحالف دولي ضد إيران!
وهذا هو مربط الفرس، (إسرائيل) تسعى إلى تشكيل تحالف دولي ينوب عنها في محاربة إيران، لأن الجيش الإسرائيلي غير قادر على المواجهة في عدة جبهات، ولا تريد القيادة السياسية الإسرائيلية أن تتحمل نتائج حرب غير مضمونة، لذلك تسعى (إسرائيل) لتفجير حرب يكون وقودها الجيش الأمريكي، وحلفاؤه في المنطقة، وهذا التحالف لن يتحقق بشن حرب محدودة على ساحة غزة لوحدها، وهذا التحالف الدولي لن يتحقق إذا شنت (إسرائيل) عدوانها على الجنوب اللبناني، التحالف الدولي يتحقق لـ(إسرائيل) في حالة فتحت معركة كبيرة مع إيران، بذريعة الخطر النووي، ولا بأس وقتئذٍ أن تكون غزة ولبنان جزء من هذه المعركة، لتضرب (إسرائيل) عصفورين بسلاح الحلفاء.
هذه الحرب ليست إعلامية، ولا هي حرب نفسه، إنها حرب حقيقية، تريدها (إسرائيل) باسم الحرب الوقائية ضد المفاعل النووي الإيراني، وهي في الحقيقة تريد حرباً ضد الأذرع العسكرية في المنطقة، والتي تتلقى مساعدات مالية وعسكرية من إيران، وهذه حرب ليست كسابقاتها من حروب، وإنما هي حرب لها ما بعدها من انكسار للكيان الصهيوني، واندحار للشر من المنطقة.
هذه حرب ستفرض معطيات جديدة في المنطقة، لم يعمل لها العدو الإسرائيلي حساباً، وإذا كان للعدو الإسرائيلي حساباته المادية والتكنولوجية والعسكرية، فإنه تغافل عن الحسابات المعنوية، والتي يمثل الإنسان الذي يقات